بقلم :م. علاء عبد الستار
الترجمة كانت ولا تزال جسرًا حيويًا يصل بين الثقافات، فهي المفتاح لفهم الآخر ومعرفة لغته. إنها النافذة التي تفتح عوالم جديدة أمام القارئ، ليصبح عالميًا في إدراكه، حتى وإن لم يكن ملمًا بكل لغات العالم. هذا الدور العظيم لا يتحقق إلا عبر جهد شاق يبذله المترجم، وهو يضع نصب عينيه أهمية النص الذي ينقله، ومدى إسهامه في إثراء الثقافة.
في العلوم، الترجمة ضرورة لا غنى عنها إذا أرادت الدول اللحاق بركب التطور، أو البديل هو تعلم اللغات الأجنبية مباشرة. لكن نظرًا لصعوبة ملاحقة التطور السريع في حركة الترجمة، تلجأ الكثير من الدول إلى التعامل مع المصادر بلغتها الأصلية. أما في مجالات الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، فالترجمة تمتد من المتخصصين إلى جمهور المثقفين، وهنا تظهر التحديات الكبرى. فاللغة الأدبية، بما تحمله من استعارات وأمثلة محلية، تجعل الترجمة الأدبية أكثر تعقيدًا. فإما أن تكون الترجمة حرفية فتشوه النص، أو تتجاوز الحرفية فتنحرف عن روح الكتاب الأصلي. لذا، فإن المترجم يبذل مجهودًا لا يقل عن الكاتب ذاته، ليحافظ على توازن دقيق بين النص الأصلي والثقافة المحلية.
ومن المثير للاهتمام أن بعض الأعمال العربية الشهيرة هي في الأصل ترجمات عن نصوص أجنبية، مثل سلسلة “حرب الثلاثين سنة” لمحمد حسنين هيكل، التي استندت إلى النص الإنجليزي الأصلي. وهنا تظهر أهمية العودة إلى النصوص الأصلية لضمان سلامة الترجمة، خاصة في النصوص الأدبية التي قد تفقد روحها إذا ترجمت عن ترجمة أخرى.
وفقًا لـ George Steiner، الترجمة تمر بأربع حركات أساسية:
1. *الثقة (Trust):* إيمان المترجم بقيمة النص المختار وأهميته لجمهور جديد، ومدى إضافته للثقافة.
2. *العدوان (Aggression):* حيث يغزو المترجم ثقافة أخرى، مع إدراكه أن الترجمة عن ترجمة قد تنحرف بروح النص، ما يجعل العودة إلى الأصل ضرورة.
3. *الدمج (Incorporation):* فهم عميق لثقافة الكاتب ودمجها بسلاسة في النص المترجم.
4. *التعويض (Restitution):* التزام المترجم بالإخلاص للنص الأصلي دون إفراط أو تفريط.
من هنا، يتضح أن الترجمة ليست مجرد نقل كلمات من لغة إلى أخرى، بل هي عملية معقدة تتطلب اختيارًا دقيقًا للنصوص، وفهمًا عميقًا للثقافتين الأصلية والمترجم إليها، مع الحرص على الحفاظ على روح النص الأصلي مع تكييفه ليناسب السياق المحلي.”
