بقلم : جمال حشاد
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فلم يعد يمر يوم دون أن نستخدم تطبيقًا أو منصة رقمية للتواصل مع الآخرين. وقد أحدث هذا التطور التكنولوجي السريع تغيرات عميقة في طبيعة العلاقات الاجتماعية وطرق التعلمعن بعد او عن قرب، سواء داخل الأسرة أو بين الأصدقاء أو حتى في محيط العمل التعليمى وغيره. وبينما يرى البعض أن هذه الوسائل قربت المسافات وسهلت التواصل، يرى آخرون أنها ساهمت في تفكك العلاقات الإنسانية الحقيقية.
من أبرز الإيجابيات التي قدمتها وسائل التواصل الاجتماعي قدرتها على ربط الناس ببعضهم البعض مهما بعدت المسافات. فقد أصبح من السهل التواصل مع الأقارب والأصدقاء في مختلف دول العالم، ومشاركة اللحظات السعيدة والأخبار المهمة في وقتها. كما أسهمت هذه الوسائل في توسيع دائرة المعرفة، حيث أتاحت للأفراد التعرف على ثقافات مختلفة، وتبادل الآراء والأفكار فى طرق التعليم فى شتى المؤسسات التعليمية، والمشاركة في قضايا اجتماعية وإنسانية مهمة.
إضافة إلى ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في دعم القضايا المجتمعية، مثل حملات التوعية الصحية، ومساعدة المحتاجين، والدفاع عن حقوق الإنسان. وقد ساعدت هذه المنصات الشباب على التعبير عن آرائهم بحرية، وتنمية مهاراتهم، وإبراز مواهبهم، مما فتح لهم فرصًا جديدة في مجالات التعليم والعمل.
لكن على الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل الآثار السلبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط. فقد أدت إلى ضعف التواصل المباشر بين الأفراد، حيث أصبح الكثيرون يفضلون التفاعل عبر الشاشات بدلًا من اللقاءات الواقعية. والتعلم من خلال الورقة والقلم وقراءة الكتاب؛ كما تسببت في فتور العلاقات الأسرية، إذ يجتمع أفراد الأسرة في مكان واحد، لكن كل منهم منشغل بهاتفه المحمول.
ومن المشكلات الخطيرة أيضًا انتشار العزلة الاجتماعية، خاصة بين فئة الشباب، حيث يقضي البعض ساعات طويلة في العالم الافتراضي، مما يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية، ويؤدي إلى القلق والاكتئاب وقلة الثقة بالنفس. كما ساهمت وسائل التواصل في نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، مما يهدد استقرار المجتمع ويؤدي إلى سوء الفهم والنزاعات.
كما أن المقارنة المستمرة بالآخرين عبر ما يُنشر من صور مثالية للحياة قد تولد شعورًا بالإحباط وعدم الرضا، خاصة عندما يظن البعض أن ما يُعرض على هذه المنصات يعكس الواقع بالكامل، متناسين أن الكثير مما يُنشر لا يمثل الحقيقة.
ولذلك، أصبح من الضروري التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بوعي ومسؤولية. فالاستخدام المعتدل والمتوازن هو الحل الأمثل للاستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها. كما يجب على الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام أن تلعب دورًا فعالًا في توعية الأفراد، خاصة الشباب، بكيفية الاستخدام الصحيح لهذه الوسائل.
إن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على تعزيز العلاقات الاجتماعية وتطوير التعليم بشكل مباشر أو إضعافها حسب طريقة استخدامها. فإذا أحسنّا استغلالها، كانت وسيلة للتقارب والتفاهم، أما إذا أسيء استخدامها، فقد تتحول إلى سبب للتباعد والعزلة. لذا، يبقى الوعي هو الأساس لبناء مجتمع متماسك في عصر التكنولوجيا الرقمية.
