بقلم : أحمد رشدى
، مع انطلاق عملية نقل ألواح مركب خوفو الثانية من موقع ترميمها داخل المتحف إلى موقع عرضها المخصص بمتحف مراكب خوفو، وسط استعدادات مكثفة وتجهيزات فنية عالية الدقة، تسبق بدء واحدة من أدق العمليات الأثرية المرتبطة بالحضارة المصرية القديمة، وذلك فور وصول شريف فتحي وزير السياحة والآثار للإشراف على الحدث.
ويأتي هذا التحرك تمهيدًا لبدء أعمال إعادة تركيب المركب أمام الجمهور، في حدث أثري وإعلامي بارز يتيح للزائرين متابعة مراحل إعادة إحياء أحد أعظم الشواهد المادية على عبقرية المصري القديم، في تجربة تجمع بين العلم والتاريخ والمتعة البصرية داخل أروقة المتحف المصري الكبير.
ويمثل هذا الحدث تتويجًا للمرحلة الثانية من مشروع استخراج وترميم وتجميع مركب خوفو الثانية، الذي انطلق رسميًا عام 2022، بعد مسار طويل من العمل العلمي الدقيق بدأ منذ عام 2008، وشمل تجهيز موقع الحفرة بالكامل، وإنشاء معمل موقعي متخصص لأعمال الترميم والتخزين والتوثيق، إلى جانب توظيف أحدث التقنيات العلمية، وعلى رأسها التصوير ثلاثي الأبعاد وتقنية الليزر سكان، لتسجيل وتوثيق القطع الأثرية فور استخراجها بدقة متناهية.
وقد شهد المشروع تنفيذ أعمال ترميم أولي وتدعيم دقيق للألواح الخشبية داخل الحفرة نفسها، قبل نقلها إلى المعامل المخصصة لاستكمال مراحل الترميم المتقدم،
حيث خضعت القطع لتحاليل علمية ومعملية داخل مصر وخارجها، بهدف تحديد مظاهر التلف ووضع خطط المعالجة المناسبة وفقًا لأحدث المعايير العالمية في صون التراث.
وأسفرت هذه الجهود العلمية عن استخراج نحو 1698 قطعة خشبية من داخل الحفرة، التي ضمت ثلاث عشرة طبقة متتالية، جرى نقلها بالكامل إلى المتحف المصري الكبير تمهيدًا لإعادة تجميع المركب أمام أعين الزائرين، في تجربة فريدة تتيح للجمهور متابعة العمل الأثري في صورته الحية.
ويأتي مشروع تجميع مركب خوفو الثانية امتدادًا للاكتشاف التاريخي الذي شهدته منطقة أهرامات الجيزة عام 1954، عندما عُثر على حفرتين لمراكب الملك خوفو جنوب الهرم الأكبر، حيث أُعيد آنذاك تركيب المركب الأولى بعد أن ظلت مدفونة لما يقرب من خمسة آلاف عام، قبل نقلها عام 2021 إلى مقر عرضها الدائم بالمتحف المصري الكبير.
وببدء تجميع المركب الثانية، تكتمل رواية تاريخية فريدة تجمع بين الأثر والعلم والتقنية الحديثة في موقع واحد، ليؤكد المتحف المصري الكبير مكانته بوصفه منصة عالمية لإعادة إحياء تاريخ مصر الفرعوني، وتقديمه للعالم في صورة تليق بعظمة الحضارة المصرية وخلودها.
