للكاتبة: هبة الأفندي
تُعد الثورة العرابية أول ثورة مصرية شعبية في التاريخ الحديث، وقد قادها الزعيم أحمد عرابي تعبيرًا عن رفض الظلم والاستبداد والتدخل الأجنبي. بدأت مطالب عرابي بالمساواة بين الضباط والجنود المصريين وزملائهم من الأتراك والشراكسة داخل الجيش، إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض، وتم القبض على عرابي وزملائه، غير أن أحد الضباط المصريين تدخّل وأنقذهم، فحصل عرابي بعدها على دعم واسع من الجيش، ثم تأييد شعبي كبير، ما شجّعه على التقدّم بمطالب الأمة إلى الخديوي توفيق، والتي تمثلت في تغيير الحكومة، وإنشاء مجلس نواب، وتعزيز قوة الجيش المصري.
ترجع أسباب الثورة إلى حادثة عرابي باشا التي وقعت عامي 1881–1882م، والتي اعتُبرت رد فعل من الضباط المصريين على التمييز الذي مارسه القادة الأتراك والشراكسة، خاصة في الترقيات العسكرية. وقد عُرفت هذه الأحداث باسم «مؤامرة الجراكسة»، حيث حرّض بعض الضباط الشراكسة أصحاب الرتب العليا أتباعهم من الرتب الأصغر على عصيان أوامر الضباط المصريين.
تمثلت مطالب الثورة في عزل وزارة رياض باشا، وإنشاء مجلس نواب على النسق الأوروبي، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي وفقًا للفرمان السلطاني. وقد جاء رد الخديوي توفيق رافضًا لتلك المطالب بقوله: «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا»، فرد عليه عرابي بقوله الشهير: «لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، فوالله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم». وبعد مشاورات مع القنصلين الإنجليزي والفرنسي، وافق الخديوي على المطالب.
استجاب الخديوي لإرادة الأمة، فعزل رياض باشا وكلف شريف باشا بتشكيل الوزارة في 14 سبتمبر 1881م، وضمت الوزارة محمود سامي البارودي وزيرًا للحربية، وأحمد عرابي وكيلًا لوزارة الحربية. وسعى البارودي إلى وضع دستور للبلاد، وتم عرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، إلا أن إنجلترا وفرنسا تدخلتا في شؤون مصر بإرسال المذكرة المشتركة الأولى في 7 يناير 1882م، معلنتين دعمهما للخديوي، ما أدى إلى استقالة شريف باشا في فبراير 1882م.
تولى محمود سامي البارودي رئاسة الوزراء، وأصبح أحمد عرابي وزيرًا للحربية، وحازت وزارة البارودي قبولًا واسعًا من الجيش والشعب، وأُعلن الدستور رسميًا في 7 فبراير 1882م، وسُمّيت هذه الوزارة بوزارة الثورة لتحقيقها مطالب الأمة. لكن سرعان ما تصاعدت الأحداث، ووقعت واقعة الإسكندرية التي استغلتها بريطانيا للتدخل العسكري، فقامت بقصف الإسكندرية ثم التقدم نحو كفر الدوار حيث هُزمت وتراجعت، قبل أن تعيد الهجوم عبر قناة السويس وتصل إلى الإسماعيلية، لتقع معركتا القصاصين والتل الكبير، والتي انتهت بسقوط الجيش المصري نتيجة الخيانات وتكبده خسائر فادحة.
وُلد أحمد عرابي في محافظة الشرقية، وحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم التحق بالأزهر الشريف حيث درس الفقه والتفسير. التحق بالخدمة العسكرية في عهد الخديوي سعيد ضمن سياسة المساواة بين المصريين والشراكسة، إلا أن التمييز عاد بعد وفاته. تدرج عرابي في الرتب، وكان خطيبًا مفوهًا وصاحب شخصية قوية، وتأثر هو ورفاقه بالأفكار الثورية التي نشرها جمال الدين الأفغاني وعبد الله النديم، والتي دعت إلى رفض الذل والاستبداد، وكان خضوع الخديوي للتدخل الأجنبي بسبب الديون سببًا رئيسيًا في اشتعال الثورة.
توفي أحمد عرابي عام 1911م، تاركًا وراءه تاريخًا حافلًا بالنضال من أجل الكرامة والحرية والعدالة. ومن أسباب فشل الثورة العرابية التسرع في اتخاذ بعض القرارات، والانفراد بالرأي دون مشورة كافية، إضافة إلى الانقسام بين الضباط المؤيدين للخديوي والموالين للثورة، وتراجع بعضهم عن مواقفهم خوفًا من العقاب بعد القبض على عرابي. كما أطلق خصوم الثورة عليها اسم «هوجة عرابي» في محاولة للنيل من قيمتها وتصويرها كتمرد عسكري عشوائي.
وكانت الخيانة من أبرز أسباب الفشل، ومن أشهرها خيانة خنفس باشا، وهو الضابط علي يوسف، الذي تسبّب في هزيمة الجيش المصري في معركة التل الكبير، ما مهّد لاحتلال الإنجليز لمصر. وبعد الهزيمة أُعيد الخديوي توفيق إلى الحكم، وصدر الحكم بالإعدام على عرابي ورفاقه، ثم خُفف إلى النفي المؤبد في جزيرة سيلان مع مصادرة أملاكهم.
