كتب م /رمضان بهيج
حين تنبثق الأمال من قلب الألم
الحياة ليست خطاً مستقيماً من السعادة، بل هي مزيج من الفصول المتناقضة. وفي غمرة اللحظات القاسية، عندما تشتد الأزمات وتضيق الدروب بما رحبت، يشعر الإنسان وكأنه محاصر في نفق مظلم لا نهاية له. لكن الحقيقة التي أثبتتها تجارب البشرية هي أن “النور لا يظهر بجلاء إلا في قلب العتمة”.
نافذة قديمة في بيت مهجور، يدخل منها خيط رفيع من الضوء يسقط على كتاب مفتوح أو وردة جافة، ليوحي بالأمل وسط الركام
“نور في عتمة الضيق” ليست مجرد جملة شاعرية، بل هي
فلسفة صمود ومنهج حياة.
لماذا نحتاج إلى العتمة لنرى النور؟
قد يبدو الضيق مؤلماً، لكنه يعمل كـ “مجهر” يكشف لنا حقائق غابت عنا في أوقات الرخاء:
اكتشاف القوة الذاتية: لا يعرف المرء مقدار الصلابة الكامنة في روحه إلا حين يُوضع تحت الضغط. الضيق هو المختبر الذي يُصهر فيه المعدن ليخرج أكثر نقاءً.
ترتيب الأولويات: في وقت الأزمات، تسقط الأقنعة وتختفي التفاصيل الهامشية، فلا يبقى أمام الإنسان إلا ما هو جوهري وحقيقي (العائلة، الصداقة الصادقة، والقيم العليا).
تقدير النعم الصغيرة: إن شعاعاً ضئيلاً من الأمل في وقت الضيق يعادل في قيمته شمساً كاملة في وقت السعة.
زهرة برية رقيقة تشق صخرة صلبة ومظلمة لتصل إلى شعاع شمس وحيد يهبط من الأعلى وحيد يهبط من الأعلى
كيف نوقد هذا النور؟
إن النور في عتمة الضيق ليس دائماً حدثاً خارجياً ينتظرنا، بل هو غالباً فعل داخلي نبدأ به:
اليقين والرجاء: الإيمان بأن لكل ضيق مخرجاً، وأن “مع العسر يسراً”، هو الفتيل الأول الذي يشعل شمعة الأمل.
القبول الذكي: ليس الاستسلام للواقع، بل الاعتراف به للتعامل معه بحكمة بدلاً من استنزاف الطاقة في المقاومة غير الجدية.
العطاء والمواساة: من أعظم مفارقات النفس البشرية أنك عندما تضيء شمعة لغيرك، يتبدد الظلام من حولك أنت أولاً.
الأمل كفعلِ إرادة
إن الضيق هو “عتمة” عابرة، أما النور فهو “الأصل”. إن الزهرة التي تشق الصخر لتبحث عن الضوء لا تفعل ذلك لأن الطريق سهل، بل لأن غريزة الحياة بداخلها أقوى من قسوة الحجر.
“لا تحزن إذا غاب شعاع الشمس، فربما أراد الله لك أن ترى جمال النجوم التي لا تظهر إلا في الظلام.”
ليكن ضيقك هو البداية لقصة نجاح جديدة، وليكن إيمانك هو القوة التي تحول هذا الضيق إلى سعة، وتلك العتمة إلى فجر مشرق.
الضوء في محراب الألم.
حين يطبق الصمتُ جدرانه على الروح، وتغدو الأنفاسُ ثقيلةً كأنها تعبرُ من ثقب إبرة، تبدأ الحكاية. في تلك العتمة التي لا يقطع سكونها إلا نبضات قلبٍ وجل، ينبثقُ سرّ الوجود.
ليست العتمةُ يا صديقي عدوّاً، بل هي المسرحُ الوحيد الذي يُمكن فيه للنجوم أن تلمع. ففي “عتمة الضيق” نكتشف أن داخلنا قنديلاً لم الامل دائما مثل شعاع الشمس يخرج اليأس من قلوبنا لينير انانكن نعلم بوجوده، زيتُه الصبر، وفتيلُه الإيمان، ونوره يقينٌ لا يتزعزع بأن الفجر ليس بعيداً.
لا تنظر إلى الأبواب الموصدة، بل انظر إلى الشقوق؛ فمنها يدخل الضوء، ومنها تتنفس الأحلام الصعداء. الضيق هو المخاض الذي يسبق ولادة القوة، والعتمة هي الغمد الذي يحمي سيف الإرادة حتى يحين وقت الصليل.
ارفع عينيك نحو السماء، فمهما اشتدت الظلمة، يبقى الله هو “نور السماوات والأرض”، ومن استضاء بنور الله، لم يضلهُ ضيق، ولم تكسرهُ عتمة.
الأمل دائماً مثل شعاع الشمس، يطردُ اليأس من قلوبنا لينير لنا الطريق
