سي السيد والإدمان الرقمي.. من الرفض الي التيك توك

بقلم / السيد عيد
لطالما كان سي السيد نموذجًا للرجل التقليدي الذي يرى أن التكنولوجيا “موضة وهتعدي”، وأن الإنترنت هو “اختراع فاضي”، وأن الهاتف الذكي مجرد “وسيلة للاتصال بالطوارئ” لا أكثر.
لكن الأمور تغيرت ذات يوم، عندما قررت أمينة – بعد يأس طويل – أن تُدخِل الإنترنت إلى المنزل، رغم معارضة سي السيد الصارمة.
ما إن رأى الراوتر يعمل حتى انتفض صارخًا:
“إيه الكارثة دي يا أمينة؟! ده النت بيبوظ البيوت!”
حاول أن يقنعها أنه رجل لا يحتاج لهذه “التفاهات”، وأنه يعتمد على الجرائد الورقية لمعرفة الأخبار، وأنه لو أراد الترفيه، فهناك التلفزيون وقنوات المسلسلات القديمة.
لكن أمينة تجاهلت صرخاته المعتادة، وواصلت تشغيل الإنترنت، وهنا حدثت المفاجأة الكبرى…
في البداية، تعامل سي السيد مع الإنترنت كما يتعامل مع كل شيء جديد: بالرفض المطلق!
لكنه وجد نفسه يومًا ما وحده في المنزل، والجهاز أمامه، وشبكة الواي فاي تعمل… فقرر أن “يجرب بس خمس دقايق”.
فتح الهاتف بحذر، ضغط على أيقونة المتصفح، وكتب في البحث: “أخبار اليوم”… وهنا بدأت الرحلة!
خلال دقائق، انتقل من قراءة الأخبار السياسية إلى فيديوهات عن “أسرار طول عمر السلحفاة”!
وبعد قليل، وجد نفسه يتابع مقاطع عن “كيفية اكتشاف الكذب في خمس ثوانٍ”، وكأن أمينة تخدعه منذ سنوات!
تيك توك.. السقوط في الفخ!
بالصدفة، ظهر له مقطع فيديو لرجل في مثل عمره يشرح “كيف تصبح مليونيرًا في أسبوع؟”، فاندهش من الفكرة، وتابع الفيديو بحماس.
ثم ظهر له مقطع آخر عن “فوائد شرب الماء الساخن قبل النوم”، فشعر أنه كان يعيش في جهل صحي طوال حياته!
وبعد قليل، بدأ “التيك توك” يقترح له محتوى جديدًا:
شباب يرقصون؟ “إيه التفاهة دي؟!” (لكنه شاهد 5 مقاطع قبل أن يُقنع نفسه أنها بلا قيمة)
طرق سهلة لطهي البط بالبرتقال؟ “يا سلام… أقول لأمينة تجربها!”
اختبار لمعرفة شخصيتك الحقيقية؟ “أكيد النتيجة هتقول إني قيادي بالفطرة!”
وهكذا، تحول رفضه للإنترنت إلى هوس كامل، لكنه لا يزال يرفض الاعتراف بذلك!
بعد أسابيع، لم يعد سي السيد مجرد متابع… بل أصبح “خبيرًا إلكترونيًا”:
صار يرسل رسائل “صباح الخير” على الواتساب لكل معارفه (بما فيهم الجزار وصاحب المقهى)!
بدأ يكتب تعليقات طويلة غاضبة على الأخبار، وكأنه محلل سياسي عالمي!
اكتشف عالم “الفلاتر”، وأصبح يلتقط صورًا بوجه مشدود وبشرة ناعمة كالأطفال!
وفي أحد الأيام، سألته أمينة وهي تنظر إلى صورته الجديدة بتعجب:
“هو إنت ليه شكلك أصغر بـ30 سنة؟!”
فأجاب بفخر: “ده فلتر اسمه ‘الشباب الدائم’… بيخليني أصغر من عُمر عتِّيقة في المسلسل!”
اليوم، لا يزال سي السيد يصرخ في أي شخص يستخدم الهاتف كثيرًا، لكنه بنفس الوقت يقضي الليل متسمرًا أمام الشاشة، متنقلًا بين يوتيوب وواتساب، متابعًا كل الترندات الجديدة.
وفي كل مرة تواجهه أمينة بالحقيقة، يرد عليها بجملته الشهيرة:
“أنا مش زيكم… أنا بستخدم النت للفائدة، مش للعب!”
لكن الحقيقة واضحة… الإنترنت لم يفسد الأجيال الجديدة فقط، بل جعل حتى سي السيد نفسه أسيرًا لشبكة الواي فاي!