د.نادي شلقامي
السعادة ليست مجرد شعور عابر، بل هي نتيجة لعمليات كيميائية معقدة تحدث داخل الدماغ. تلعب أربعة هرمونات أساسية (الدوبامين، السيروتونين، الأوكسيتوسين، والإندورفين) الدور الرئيسي في تحديد حالتنا المزاجية. فهم كيفية عمل هذه “الرباعية” يمنحنا القدرة على تحسين جودة حياتنا النفسية والجسدية عبر خطوات عملية يومية.
أولاً: الأفعال والأنشطة السلوكية (تحفيز الهرمونات)
تنقسم الهرمونات حسب الأفعال التي تثيرها كما يلي:
1- الدوبامين (هرمون المكافأة):
1-1- إنجاز المهام: حتى المهام الصغيرة (مثل ترتيب السرير) تفرز الدوبامين.
1-2- الاحتفال بالانتصارات البسيطة: حفز نفسك عند إنهاء تقرير عمل أو ممارسة رياضة.
1-3- الرعاية الذاتية: الاستحمام بماء دافئ أو تخصيص وقت للاسترخاء.
2- السيروتونين (هرمون الثقة والمزاج):
2-1- التعرض لأشعة الشمس: (10-15 دقيقة يومياً) ترفع مستويات السيروتونين فوراً.
2-2- التأمل والامتنان: استرجاع الذكريات السعيدة أو تدوين 3 أشياء أنت ممتن لها.
2-3- المشي في الطبيعة: يقلل من هرمونات التوتر ويزيد من استقرار المزاج.
3. الأوكسيتوسين (هرمون الحب والترابط):
3-1- التواصل الاجتماعي: قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء أو العائلة.
3-2- اللمس الحاني: العناق، المصافحة بحرارة، أو حتى مداعبة حيوان أليف.
3-3- العطاء: مساعدة الآخرين أو تقديم الهدايا يحفز هذا الهرمون بقوة لدى الجنسين.
4- الإندورفين (قاتل الألم الطبيعي):
4-1- الضحك: حتى الضحك المصطنع يبدأ في إفراز الإندورفين.
4-2- الرياضة المكثفة: ما يعرف بـ “نشوة العداء” تفرز بعد مجهود بدني.
4-3- البكاء: يساعد في تفريغ الضغط الجسدي وإفراز الإندورفين للراحة.
ثانياً…العناصر الغذائية والمشروبات (المحفزات الكيميائية)
يعمل الغذاء كـ “مواد خام” لتصنيع هذه الهرمونات، وإليك أهم العناصر التي يجب إدراجها في نظامك الغذائي:
1- الأطعمة الغنية بالتريبتوفان: مثل الديك الرومي، البيض، والجبن؛ حيث يعتبر هذا الحمض الأميني حجر الأساس لإنتاج السيروتونين المسؤول عن استقرار المزاج.
2- الشوكولاتة الداكنة (Dark Chocolate): تزيد من مستويات الإندورفين وتقلل التوتر، كما تحتوي على مركبات تحاكي مفعول “أنيانداميد” الذي يسمى مركب البهجة.
3- الأسماك الدهنية والمكسرات: السلمون والجوز غنيان بـ أوميغا 3، وهي ضرورية لسلامة الأغشية العصبية التي تستقبل هرمونات السعادة، مما يسهل عمل الدماغ.
4- الفواكه المحفزة (الموز والأفوكادو): يحتوي الموز على فيتامين B6 والبوتاسيوم، بينما يوفر الأفوكادو دهوناً صحية تساعد في إفراز الدوبامين لزيادة التركيز.
5- التوابل الحارة: يحتوي الفلفل الحار على مادة “الكابسيسين” التي تحفز الدماغ على إفراز الإندورفين فوراً لتسكين الشعور بالحرارة، مما يعطي شعوراً بالنشوة.
6- المشروبات الذكية: القهوة تعزز الدوبامين واليقظة، بينما يحتوي الشاي الأخضر على “الثيانين” الذي يقلل القلق ويزيد السيروتونين.
7- البروبيوتيك (الأطعمة المخمرة): مثل الزبادي واللبن الرائب؛ لأن 90% من السيروتونين يُصنع في الأمعاء، وصحة الأمعاء تعني مباشرةً صحة المزاج
ثالثاً… الفروقات بين الرجال والنساء
رغم أن الهرمونات تعمل بنفس الطريقة، إلا أن هناك بعض التمايز في الاستجابة:
أ- لدى الرجال: غالباً ما يرتبط تحفيز الدوبامين بالوصول إلى الأهداف الكبيرة أو المنافسة الرياضية. كما يلعب هرمون “التستوستيرون” دوراً في تعزيز الثقة بالنفس التي تدعم السيروتونين.
ب- لدى النساء: يكون تأثير الأوكسيتوسين أقوى في تحسين الحالة المزاجية من خلال التواصل اللفظي والمشاركة العاطفية. كما تتأثر مستويات السيروتونين بالدورة الشهرية، لذا تحتاج النساء لزيادة مصادر التريبتوفان في فترات معينة.
رابعاً….نصائح طبية ونفسية عامة
1- النوم الكافي: الحرمان من النوم يدمر توازن الدوبامين، مما يجعلك تشعر بعدم الرغبة في فعل أي شيء.
2- البروبيوتيك: (الزبادي، الأطعمة المخمرة) 90% من السيروتونين يُنتج في الأمعاء، لذا فصحة جهازك الهضمي هي صحة لمزاجك.
3- تقليل السكر: السكريات تعطي “دفعة” سريعة للدوبامين تتبعها سقطة حادة تؤدي للاكتئاب.
وختاما…فإن السعادة ليست حالة ننتظر وصولها، بل هي “هندسة كيميائية” يمكننا التحكم في الكثير من خيوطها. من خلال الموازنة بين الغذاء الصحي، النشاط البدني، والروابط الاجتماعية القوية، يمكننا بناء درع نفسي يحمينا من ضغوط الحياة اليومية. ابدأ اليوم بفعل بسيط: امشِ في الشمس، تناول قطعة شوكولاتة، واتصل بشخص تحبه.
