بقلم : أحمد رشدي
في قلب القاهرة التاريخية، حيث تتعانق الذاكرة مع الحجر، احتفل قطاع المتاحف بمرور 122 عامًا على افتتاح متحف الفن الإسلامي، أحد أعظم الصروح الثقافية في العالم، وأكبر متحف متخصص في الفنون الإسلامية على الإطلاق، بما يحمله من كنوز تنطق بروح الحضارة وجلال التاريخ.
يقف متحف الفن الإسلامي شاهدًا حيًّا على عبقرية الإنسان المسلم،
إذ يضم بين جدرانه ما يقرب من أربعة آلاف قطعة أثرية نادرة، موزعة على خمسٍ وعشرين قاعة عرض دائمة وقاعة مؤقتة، تمثل خلاصة الإبداع الفني في أرجاء العالم الإسلامي،
من الهند والصين شرقًا، مرورًا بإيران والجزيرة العربية والشام ومصر، وصولًا إلى شمال إفريقيا والأندلس، في لوحة حضارية ممتدة عبر القرون.
وتعود قصة هذا الصرح العريق إلى الثامن والعشرين من ديسمبر عام 1903، حين افتُتح المبنى الحالي في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني تحت مسمى “دار الآثار العربية”، قبل أن يحمل اسمه الحالي “متحف الفن الإسلامي” عام 1952. وعلى مدار أكثر من قرن، ظل المتحف شاهدًا على تطور الوعي بقيمة التراث، حتى خضع لعملية تطوير شاملة منذ عام 2003، شملت تحديث أساليب العرض المتحفي، وإنشاء مبنى إداري متكامل يضم مكاتب متخصصة، ومكتبة علمية، وقسمًا للترميم، وقاعة للمحاضرات، قبل أن يُعاد افتتاحه في ثوبه الجديد عام 2010.
ولم تكن مسيرة المتحف خالية من التحديات، إذ تعرض لأضرار جسيمة إثر التفجير الذي استهدف مديرية أمن القاهرة عام 2014، غير أن الإرادة المصرية أعادت له الحياة من جديد، ليُفتتح مرة أخرى في يناير 2017 بعد أعمال تطوير شاملة، أُضيفت خلالها قاعات جديدة مثل قاعة العملة والسلاح والحياة اليومية، مع إعادة صياغة القاعة الرئيسية لتجسد رسالة المتحف في إبراز إسهامات الحضارة الإسلامية في مسيرة الإنسانية.
ويحتضن المتحف اليوم مجموعة فريدة من الكنوز الأثرية، من بينها إبريق برونزي يُنسب إلى الخليفة الأموي مروان بن محمد الثاني، وصحن فاطمي من الخزف ذي البريق المعدني، وسيف السلطان العثماني سليمان القانوني، ومشكاة مملوكية تحمل اسم الأمير شيخو الناصري، إلى جانب مفتاح الكعبة المشرفة المصنوع من النحاس المطلي بالفضة، وكل قطعة منها تحكي فصلًا من تاريخ أمة صنعت الجمال وخلدت المعنى.
وبمرور 122 عامًا على افتتاحه، يظل متحف الفن الإسلامي منارة للمعرفة والجمال، وذاكرة نابضة لحضارة لم تنطفئ، بل ما زالت تمد العالم بقيم الإبداع والروح والإنسان.
