بقلم البروفيسور روحيه الشريف
الروماتويد ليس مجرد ألم في الأصابع أو تورم في الركبتين؛ إنه “متمرد مناعي” قد يقرر أحياناً ترك المفاصل خلفه ليشن هجوماً صامتاً على مصنع الأكسجين في جسدك: الرئتين. في هذه الحالة، تصبح الأنفاس هي الثمن الذي يدفعه الجسد في صراعه مع نفسه، مما يجعل فهم هذا الارتباط ضرورة لا رفاهية.
أولا……ما هو الروماتويد الرئوي؟
هو مجموعة من المشاكل الرئوية التي تصيب مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي. وأشهر صورها هو “مرض الرئة الخلالي” (ILD)، حيث يحدث تليف أو التهاب في الأنسجة الرقيقة المحيطة بالحويصلات الهوائية، مما يجعل الرئة أقل مرونة وأقل قدرة على نقل الأكسجين للدم.
ثانيا…الأسباب: لماذا تهاجم المناعة الرئتين؟
لا يوجد سبب واحد مباشر، ولكن هناك عوامل تزيد من احتمالية هذا الهجوم:
1- النشاط المناعي المفرط: نفس الأجسام المضادة التي تهاجم المفاصل قد تهاجم أنسجة الرئة.
2- التدخين: هو العامل الأكبر والخطر الحقيقي؛ فالتدخين يحفز تفاعلات مناعية تجعل الرئة هدفاً سهلاً للروماتويد.
3- العوامل الوراثية: بعض الجينات تجعل الشخص أكثر عرضة لإصابة الرئة عند إصابته بالروماتويد.
4- الآثار الجانبية للأدوية: نادراً ما تتسبب بعض أدوية الروماتويد (مثل الميثوتركسيت) في تهيج الرئة، لكن الفوائد عادة ما تفوق المخاطر.
ثالثا….الأعراض:
— علامات التحذير الصامتة
قد تظهر أعراض الرئة حتى قبل أعراض المفاصل في بعض الأحيان، وتشمل:
1- ضيق التنفس: خاصة عند بذل مجهود بسيط (مثل صعود السلم).
2- السعال الجاف: سعال مستمر ومزعج لا يصاحبه بلغم.
3- الإراد العام: شعور بالهزال نتيجة نقص الأكسجين.
4- ألم في الصدر: وخزات عند التنفس العميق.
رابعا….الوقاية:
كيف تحمي رئتيك؟
1- الإقلاع الفوري عن التدخين: هو الخطوة رقم 1 و2 و10.
2- الفحص الدوري: اطلب من طبيبك سماع صوت الرئة بالسماعة الطبية في كل زيارة.
3- السيطرة على مرض الروماتويد: التحكم القوي في نشاط الروماتويد يقلل فرص انتشاره للأعضاء الأخرى.
4- التطعيمات: احرص على لقاحات الإنفلونزا والمكورات الرئوية لتجنب الالتهابات التي ترهق الرئة المتعبة.
خامسا…..العلاج:
1-خطة استعادة الأكسجين
يعتمد العلاج على نوع الإصابة (التهاب أم تليف):
مثبطات المناعة: مثل الكورتيزون، والميكوفينولات، لتهدئة الهجوم المناعي على الرئة.
2- العلاجات البيولوجية: أدوية متطورة تستهدف بروتينات معينة في الجهاز المناعي.
3- الأدوية المضادة للتليف: إذا تحول الالتهاب إلى تليف، تُستخدم أدوية مثل “نينتدانيب” لإبطاء تدهور الرئة.
4- الأكسجين المنزلي: في الحالات المتقدمة لدعم عملية التنفس.
سادسا…لماذا يجب أن يكون طبيب الروماتيزم “صديقك الأقرب”؟
1- المتابعة الدورية ليست مجرد إجراء روتيني، بل هي “رادار” يلتقط أي تغيير قبل أن يتفاقم. تتضمن المتابعة الناجحة ما يلي:
2- اختبارات وظائف الرئة (PFT): إجراء هذا الاختبار بشكل دوري (كل 6 أشهر أو سنة) يقيس كفاءة الرئة في امتصاص الأكسجين وقدرتها الاستيعابية، وهو أدق وسيلة للكشف عن التغيرات قبل أن تشعر بضيق التنفس.
3- الأشعة المقطعية عالية الدقة (HRCT): هي “العين” التي ترى تفاصيل الرئة من الداخل وتكشف عن وجود أي التهاب أو بداية تليف لا تظهره الأشعة العادية.
4- مراقبة الأدوية: طبيب الروماتيزم يحتاج لمراقبة تأثير الأدوية (مثل الميثوتركسيت) على رئتيك بانتظام، لتعديل الجرعات أو تغيير البروتوكول
5- العلاجي إذا لزم الأمر.
قياس تشبع الأكسجين: فحص بسيط في العيادة يقيس نسبة الأكسجين في الدم أثناء الراحة وأثناء المشي البسيط للكشف عن أي قصور مبكر.
النفس هو الحياة.. فلا تهملها
الروماتويد الرئوي قد يبدو خصماً قوياً، لكن الاكتشاف المبكر والمتابعة المستمرة هما السلاح الذي يغير قواعد اللعبة. إن التزامك بزيارة طبيب الروماتيزم وإجراء الفحوصات الدورية حتى لو لم تشعر بأعراض، هو “وثيقة تأمين” لأنفاسك. اعتني بمفاصلك، راقب رئتيك، وتمسك بالأمل في كل شهيق وزفير، فالحياة تستحق أن نعيشها بأمان.
البروفيسور روحيه الشريف
أستاذ الأمراض الروماتيزمية والمناعية بكلية الطب جامعة المنيا واستشارية الأمراض الروماتيزميه والمناعية بمستشفي سلامات بالمملكة العربية السعودية
