ديني

الغضب… اختبار الرجولة وضبط النفس

محمد غريب الشهاوي
الغضب ليس ضعفًا في الجسد، بل اختبار لقوة النفس. لحظة واحدة من الغضب قد تكشف لك من أنت، وتُظهِر معدن قلبك، وقد تهدم بها سنين من الحب، والاحترام، والثقة.

الناس تختلف في طباعها، لكنهم يتساوون في لحظة الغضب، حيث لا صوت يعلو فوق الانفعال، ولا عقل يشتغل في ظل اشتعال القلب. هنا، تظهر الرجولة الحقيقية. وليست الرجولة في من يرفع صوته أو يمد يده، بل في من يملك نفسه وهو في قمة الغضب.

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بوضوح حين قال:
“ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.”
(متفق عليه)

> فالشديد في الإسلام ليس المصارع، بل من يضبط لسانه وقلبه في لحظة الهيجان.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب وصية، فقال له:
“أوصني.” قال: “لا تغضب.” فردد مرارًا، قال: “لا تغضب.”
(رواه البخاري)

> تكرار النبي لهذا التوجيه يدل على خطورة الغضب، وأنه مفتاح لكثير من الشرور إن لم يُكبح في حينه.

وفي مشهدٍ واقعي مؤثر، كان النبي جالسًا ذات يوم، فمرّ به رجلان يتسابّان، وقد احمرّ وجه أحدهما وانتفخت أوداجه، فقال صلى الله عليه وسلم:
“إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.”
(رواه البخاري ومسلم)

> الغضب من الشيطان، والاستعاذة بالله هي أول دواء لتهدئة النفس.

ومع كل هذا، لم يتركنا الإسلام دون حافز عظيم للسيطرة على الغضب، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
“من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يُخيّره من الحور ما شاء.”
(رواه أبو داود والترمذي)

> أي أن كظم الغيظ ليس فقط نجاة في الدنيا، بل كرامة عظيمة في الآخرة.

فهل نُدرّب أنفسنا وأولادنا على هذه القوة الحقيقية؟
هل نعلّمهم أن من يضبط غضبه أعظم شأنًا ممن يضرب أو يصرخ؟
فلنربّي أنفسنا على الحلم، ولنتذكّر دائمًا:
“ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ كظمها عبد، إلا ملأ الله جوفه إيمانًا.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى