حي ابن يقظان

كتب/ علاء عبد الستار
كتب الفيلسوف ابن طفيل قصة حي بن يقظان (وتعرض لنفس القصة ابن سينا والسهروردي وعدد من الفلاسفة)، وهي قصة إنسان ولد وترعرع في جزيرة منعزلة، حيث أرضعته ظبية وظل ينمو إلى أن بلغ مبلغ الرجال، وفي هذه القصة أراد ابن طفيل قول أن العقل الإنساني مدرك بذاته، ويستطيع إدراك الموجودات منفردًا، بل حتى قد يصل إلى معرفة الله دون مرشد، وهي قضية فلسفية قديمة شغلت الفلاسفة لفترات طويلة من الزمن، وهي القدرات الخاصة بالعقل البشري وكيفية إدراكه، ولكن الحقيقة والخاصة بالإنسان أن قبل وصوله إلى مرحلة العقل الناضج يحتاج إلى مراحل كثيرة منها مراحل تخص الحياة البيولوجية له من رضاعة إلى حبو ثم مشي وهكذا ومنها مراحل تخص النمو الفكري وهي قدرته على التعامل مع المعارف بل والقدرة على فض التشابك الفكري للمعارف من حيث التداخل، تم اكتشاف حالات حقيقية لبشر في العصر الحديث تربوا وسط الطبيعة بين الحيوانات، لكن هذه المرة حالات حقيقية وليست فلسفية وكان فيها ذلك الإنسان يسلك مسلك الحيوان تمامًا حتى في نوع الغذاء والسلوك وهي عكس رؤية ابن طفيل، فتثبت الدراسات الخاصة بالإنسان الأنثروبولوجي أنه كائن اجتماعي بامتياز يكتسب كثير من أفكاره بل حتى المهارات الحسية من المجتمع المحيط فنجد مثلا الثقل في النطق لدى الصيادين بسبب طول فترة المكوث صامتًا في رحلات الصيد في البحر تصبح مكتسب دائم لديه لكن توجد أيضا في الأبناء الذين لا يمارسون الصيد بالتعايش، إذا لا يستطيع الإنسان الإدراك منفردًا حين ينفصل عن بني البشر خاصة في فترة التنشئة أي إنه بحاجة إلى المجتمع ليصنع لغته وهي أهم وعاء يصوغ به أفكاره، ووعيه الذي يبني عليه أفكاره ومعظم سلوكه وتظل كثير من أفكاره أسيرة لهذه الأفكار التي يمتصها من المجتمع المحيط، لكن يتميز الإنسان بقدرته النقدية وهي قدرته على الشك كطريق موصل للحقيقة التي تظل نسبية، هذه القدرة هي ما تجعل الإنسان يشك ومثال لهذه الحالة رحلة سلمان الفارسي النقدية في البحث عن الحقيقة والانتقال من دين لدين ومن بلد إلى بلد يدفعه ذلك البحث عن الحقيقة عبر الشك إلى أن وصل إلى ما يبحث عنه، والنقدية وهي قدرة تختلف عن قدرة أخرى تسمى في بعض المراجع باليقينية وهي الموقف الخاص بالأنبياء بعد البعث فتتحول النقدية إلى يقينية ولكن لغير الأنبياء تبقى النقدية هي الأساس الذي تبنى عليه الأفكار في محاولة لإدراك الحقائق، فإما إلى صواب وإما إلى خطأ، كالمثال السابق بما كتبه ابن طفيل الذي أثبت علم دراسة الإنسان الأنثروبولوجي عدم دقة هذه الأفكار وأنها أفكار فلسفية قامت على التمجيد المطلق للعقل الذي يحتاج أدوات ووقت كي يصبح أهلًا للتمجيد.
#علاء_عبد_الستار