كاتب وورقة

بقلم: السيد عيد
استيقظتُ فجراً، كالعادة، على صوت الفكرة وهي تطرق باب دماغي ثم تهرب قبل أن أفتح لها. تحسّست الطاولة، التقطت ورقة بيضاء من الرزمة المهملة، وفجأة… سمعت شهقة خافتة، ثم تنهيدة طويلة!
– “مش كفاية بقى؟”
– “مين؟!”
– “أنا… الورقة. آه، أنا بتكلم. مش كفاية اللي عملته فيّا طول السنين؟!”
تراجعت خطوة، نظرت حولي: لا أحد.
– “طيب… مالك؟!”
– “مالك إنت! كل مرة تمسكني، تبهدلني بكلامك اللي مافهوش نقطة نور! سوداوية أكتر من نشرة أخبار الساعة تسعة!”
– “أنا بكتب من قلبي!”
– “يا ريتك ما كتبت! قلبك ده محتاج سطرين تهوية على الأقل.”
أحسست بالإهانة… بل بالخذلان من ورقة كانت طوال عمرها رفيقة حروفي.
– “ده أنا كتبت فيكِ ‘في بيتنا فأر’، و’بحلم بشيء من الخوخ’، و’قهوة بلدي’، وانتي ساكتة!”
– “ساكتة؟! أنا كنت مكممة. محبوسة في مجلد أحزانك. بتلطش فيّا ساخراتك كأنّي جدار، مش كائن حساس! مش ورقة عندها أحلام!”
– “أحلام؟!”
– “أيوه! كان نفسي أبقى خطاب حب. ورقة طيارة في يد طفل بيجري، أو حتى تمثّل شهادة تقدير لواحد نجح بالعافية… مش ساحة معركة لشكوكك الوجودية!”
سكتُّ، للمرة الأولى. ثم قلت:
– “يعني مش عاجبك اللي بكتبه؟”
– “مش كل مرة تبكي فيها على الأطلال لازم تبكي على ظهري! ما جربتش تكتب نهاية سعيدة؟ أو حتى بداية مُفرحة؟”
– “حاضر… نبدأ صفحة جديدة؟”
– “موافقة… بس لو كتبت جملة فيها ‘غدر’، ‘خيانة’، أو ‘اللي فات مات’، هتكرمش نفسي وأرميها تحت المكتب!”
أخذت نفساً، أمسكت القلم، وكتبت:
“في صباحٍ دافئ، جلست ورقة بيضاء تكتب كاتبها من جديد… وقررت ألا تسمح له بالحزن إلا إذا كتب تحته ضحكة.”
ابتسمت الورقة… وبدلاً من الصمت، همست لي:
– “كده نقدر نشتغل سوا.”