بقلم هبه فهمي
على ضفاف النيل العظيم، حيث تمتزج زرقة المياه بصفرة الرمال الذهبية في أسوان، تقف جزيرة “أجيليكا” شاهدةً على واحدة من أجمل قصص الوفاء في التاريخ القديم. هناك، يرتفع معبد فيلة كقصيدةٍ نُحتت في الصخر، تروي لنا حكاية الإلهة “إيزيس”، ربة الأمومة والخصوبة، التي طاف صيتها الآفاق.
مزيج الفن والخلود
لم يكن معبد فيلة مجرد بناءٍ حجري، بل كان انصهاراً عبقرياً بين حضارتين؛ حيث التقت الروح الفرعونية التليدة باللمسات البطلمية الساحرة في القرن الثالث قبل الميلاد. حين تطأ قدماك أرض المعبد، تستقبلك البوابات الضخمة (الصروح) كحراسٍ للزمن، لتقودك إلى فناءٍ فسيح تحوطه أعمدة نُقشت عليها تفاصيل الحياة والطقوس المقدسة، وصولاً إلى “قدس الأقداس”؛ ذلك الركن الصامت الذي احتضن يوماً تمثال إيزيس، ومقصورة “حتحور” التي تفوح منها أنغام البهجة، ومعبد “حورس” الذي يجسد نصر الخير على الشر.
ملحمة الإنقاذ: بعثٌ جديد
لقد كاد هذا الإرث أن يغرق تحت مياه النيل في ستينيات القرن الماضي مع بناء السد العالي، لولا تكاتف العالم في ملحمة إنسانية فريدة تحت إشراف “اليونسكو”. نُقل المعبد قطعةً قطعة، كجسدٍ يُعاد تكوينه، ليستقر في موطنه الجديد “أجيليكا”، متحدياً النسيان والضياع، ليبقى “لؤلؤة النيل” التي لا تنطفئ.
نداء الأجداد
حين يسدل الليل أستاره، يستيقظ التاريخ من جديد في “عرض الصوت والضوء”؛ فترتدي الجدران ألواناً من سحر، وتهمس النقوش بقصة إيزيس وأوزوريس، لتعيد رسم ملامح المجد الذي شيده أجدادنا.
“إن معبد فيلة ليس مجرد مزارٍ سياحي، بل هو مرآة تعكس عظمة العقل المصري وقدرته على ترويض المستحيل.”
إننا اليوم نرفع النداء للأجيال الجديدة: لا تجعلوا هذا التاريخ مجرد سطور في الكتب، بل اذهبوا لتسمعوا صدى خطوات الأجداد بين تلك الأعمدة، واستشعروا فخر الانتماء لأمةٍ لم تعرف يوماً طريقاً للفناء.
