بقلم: إيمان دويدار
القلب الطيب لا يُحدث ضجيجًا.
لا يرفع صوته حين يُظلم، ولا يُحصي ما قدّمه ليطالب بردّه، ولا يتقن فنّ الشكوى. هو قلب يمشي في الدنيا حافيًا، يعرف أن الطريق مؤلم، لكنه يفضّل أن يتألم على أن يؤذي.
صاحبه غالبًا آخر من يُفهم، وأول من يُساء الظن به. يُفسَّر لطفه ضعفًا، وصمته هروبًا، وتسامحه غباءً. لا لأنه كذلك، بل لأن هذا العالم اعتاد القلوب الصلبة، وارتاب من القلوب التي لا تحمل سلاحًا.
القلب الطيب يمنح أكثر مما ينبغي، ثم يلوم نفسه لا الآخرين حين يُخذل. يقول في داخله: «كان لازم أفهم بدري»، لكنه لا يتعلم القسوة، بل يتعلم الحذر… فرق كبير لا ينتبه له أحد.
هو قلب لا يعرف الكراهية جيدًا، حتى حين يحاول. يغضب، نعم، لكنه لا يحقد. يبتعد، لكنه لا يتمنى الأذى. يحتفظ بمسافة أمان، دون أن يُغلق الباب تمامًا، كأنه يترك نافذة صغيرة لاحتمال عودة الخير.
أصحاب القلوب الطيبة لا يطلبون الكثير من الدنيا. كل ما يريدونه أن تُقابل نواياهم بنوايا، وأن لا يُستغل صفاؤهم كسذاجة، ولا يُستباح وجعهم بدعوى أنهم «مش هيزعلوا».
والمؤلم حقًا أن القلب الطيب هو الأكثر تعبًا، لأنه يرى ما لا يُقال، ويحس بما لا يُطلب، ويُحمّل نفسه ما لا ذنب له فيه. يعيش وهو يُصلح ما أفسده غيره، ثم يُحاسَب على أنه تأخر في الشفاء.
ومع ذلك…
يبقى القلب الطيب أجمل ما في هذا العالم.
لأنه إن اختفى، سادت القسوة، وصارت العلاقات صفقات، وصار البشر مرايا باردة لا دفءَ فيها.
القلب الطيب لا يحتاج أن يكون أقوى، بل أن يُحاط بمن يفهمه.
لا أن يتغيّر، بل أن يُقدَّر.
فهو، رغم كل ما يمرّ به، لا يزال يختار الإنسانية… وهذا وحده كافٍ ليجعله نادرًا، ومستحقًا للحماية.
