بقلم : جمال حشاد
يُعَدّ التنمر في المدارس من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تؤثر سلبًا في الصحة النفسية للطلاب، وتنعكس آثارها على المجتمع بأسره. فالتنمر لا يقتصر على الإيذاء الجسدي فحسب، بل يمتد إلى الإيذاء اللفظي والنفسي والاجتماعي، مما يجعل الضحية تعاني من فقدان الثقة بالنفس والشعور بالعزلة والخوف المستمر. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أشكال التنمر أكثر تنوعًا وحدّة، مما يزيد من مسؤولية أولياء الأمور والمدارس في مواجهتها بشكل فعّال ومدروس.
أولًا: مفهوم التنمر وأشكاله:
التنمر هو سلوك عدواني متكرر يهدف إلى إيذاء شخص آخر جسديًا أو نفسيًا أو اجتماعيًا، وغالبًا ما يتضمن وجود طرف قوي يسيطر على طرف أضعف.
وتتعدد أشكال التنمر، منها:
التنمر الجسدي: كالضرب، أو الدفع، أو تخريب ممتلكات الطفل.
التنمر اللفظي: مثل السخرية، والشتائم، ونشر الشائعات.
التنمر الاجتماعي: ويتمثل في عزل الطفل عن أصدقائه، أو تجاهله عمدًا.
التنمر الإلكتروني: عبر الرسائل المسيئة أو النشر المهين على الإنترنت.
هذه الأنواع، وإن اختلفت في شكلها، إلا أنها جميعًا تترك آثارًا نفسية عميقة في نفوس الأطفال والمراهقين، وقد تمتد آثارها إلى حياتهم المستقبلية.
ثانيًا: أسباب انتشار التنمر في المدارس:
يرتبط انتشار التنمر بعدة عوامل نفسية واجتماعية وتربوية، من أبرزها:
ضعف الرقابة المدرسية، وعدم وجود بيئة آمنة يشعر فيها الطلاب بالحماية.
غياب الوعي الأسري، حيث لا يلاحظ الوالدان التغيرات السلوكية التي تطرأ على أبنائهم.
النماذج العدوانية في المجتمع والإعلام، إذ يتأثر الأطفال بما يشاهدونه من سلوكيات عنيفة.
غياب ثقافة الحوار والتسامح داخل الأسرة والمدرسة، مما يجعل العنف وسيلة للتعبير عن الذات.
الشعور بالنقص أو الرغبة في السيطرة لدى المتنمر، فيلجأ إلى إيذاء الآخرين لإثبات ذاته.
ثالثًا: آثار التنمر على الضحايا:
تتنوع آثار التنمر بين الجسدية والنفسية والاجتماعية، وغالبًا ما تكون طويلة الأمد. فالطفل الذي يتعرض للتنمر يشعر بالخوف الدائم، وينخفض مستواه الدراسي بسبب فقدان التركيز والرغبة في الذهاب إلى المدرسة.
كما قد يعاني من القلق والاكتئاب، ويصبح أكثر انطواءً على نفسه. وفي بعض الحالات، قد يتطور الأمر إلى ميول عدوانية أو رغبة في الانتقام، أو حتى محاولات إيذاء الذات. لذلك، فإن التدخل المبكر من قِبل أولياء الأمور يُعَدّ أمرًا حيويًا لحماية الطفل من هذه النتائج الخطيرة.
رابعًا: دور أولياء الأمور في مواجهة التنمر:
يُعتبر دور الأسرة محوريًا في الحد من ظاهرة التنمر، سواء كان الطفل ضحية أو متنمرًا. ومن أهم الخطوات التي ينبغي على أولياء الأمور اتباعها:
بناء علاقة ثقة مع الأبناء: يجب أن يشعر الطفل بأن والديه ملاذ آمن يمكنه اللجوء إليه دون خوف من العقاب أو التوبيخ.
الاستماع الجيد: على الوالدين أن يصغيا لأبنائهما بانتباه، وأن يصدّقا ما يقولونه دون التقليل من مشاعرهم.
مراقبة السلوك والتغيرات المفاجئة: مثل رفض الذهاب إلى المدرسة، أو فقدان الشهية، أو الانعزال، فهي مؤشرات قد تدل على وجود مشكلة تنمر.
تعليم الطفل كيفية الدفاع عن نفسه بطريقة محترمة وغير عنيفة، كإبلاغ المعلم أو المشرف بدلاً من الرد بالعنف.
التعاون مع المدرسة: فمواجهة التنمر تتطلب جهدًا مشتركًا بين الأسرة والمعلمين، من خلال التواصل المستمر ومتابعة سلوك الطفل داخل المدرسة.
غرس قيم التسامح والاحترام منذ الصغر، وتعليم الطفل أن الاختلاف أمر طبيعي يجب احترامه لا السخرية منه.
الاستخدام الواعي للتكنولوجيا: على الأهل متابعة نشاط أبنائهم على الإنترنت وتعليمهم كيفية حماية خصوصيتهم الإلكترونية لتجنب التنمر الرقمي.
خامسًا: دور المدرسة والمجتمع:
لا يمكن لأولياء الأمور وحدهم القضاء على التنمر، فالمؤسسة التعليمية والمجتمع لهما دور لا يقل أهمية. ينبغي على المدارس تطبيق سياسات واضحة ضد التنمر، وتوفير برامج توعية وتدريب للطلاب والمعلمين. كما يمكن تنظيم أنشطة جماعية تعزز روح التعاون والانتماء بين الطلاب.
أما المجتمع، فعليه نشر ثقافة الاحترام والتقبل، ومكافحة الصور النمطية التي تشجع على العنف أو التمييز.
سادسًا: نحو بيئة مدرسية آمنة:
مواجهة التنمر ليست مسؤولية فردية، بل مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة مرورًا بـ المدرسة وصولًا إلى المجتمع والإعلام. إن توفير بيئة مدرسية آمنة يسودها الاحترام والتفاهم يضمن تنشئة جيلٍ متوازن نفسيًا، قادر على التفاعل بإيجابية مع الآخرين.
وعندما يشعر الطفل بالأمان والدعم من والديه ومدرسته، تقل احتمالية تعرضه للتنمر أو ممارسته ضد غيره، مما يؤدي إلى بناء مجتمع أكثر وعيًا وإنسانية.
إن التنمر في المدارس قضية تربوية وإنسانية تستحق الاهتمام الجاد، لأنها تمسّ كرامة الطفل وثقته بنفسه. ويتوجب على أولياء الأمور أن يكونوا على وعي كامل بخطورة هذه الظاهرة، وأن يسعوا للتعاون مع المدرسة لمعالجتها في بدايتها قبل أن تتفاقم. فالتربية على الحب والاحترام والتفاهم هي السلاح الأقوى في مواجهة التنمر وبناء جيلٍ متسامح وقوي الشخصية، قادر على صناعة مستقبل أفضل لنفسه ولمجتمعه.
