بقلم : جمال حشاد
في عصر تتداخل فيه الأصابع مع الشاشات أكثر مما تتشابك الأيدي، وتصبح فيه الرسائل النصية بديلًا عن الكلمات المنطوقة، يعيش جيل السوشيال ميديا حالة من التناقض: تواصل رقمي غير مسبوق، يقابله شعور داخلي بالعزلة والفراغ.
علاقات رقمية… وحياة واقعية فقيرة
شهد هذا الجيل نموًّا غير مسبوق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يقضي الشباب يوميًا ساعات طويلة على تطبيقات مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، وسناب شات.
لكن المفارقة المؤلمة أن هذه المنصات، التي صُممت للتقريب بين الناس، أصبحت سببًا مباشرًا في تآكل العلاقات الإنسانية الحقيقية، وغياب التفاعل الوجداني.
ففي الوقت الذي يملك فيه الشاب مئات “الأصدقاء” على الإنترنت، قد يعجز عن إيجاد شخص واحد يشاركه لحظة صدق أو يستمع إليه وجهًا لوجه.
منصات للتواصل أم للانعزال؟
تشير الدراسات الحديثة إلى أن كثرة استخدام السوشيال ميديا تؤدي إلى:
زيادة الشعور بالوحدة والاكتئاب.
تآكل مهارات التواصل الواقعي.
إدمان المقارنة بالآخرين وما يسمى بـ”الحياة المثالية الرقمية”.
تراجع الروابط الأسرية والأنشطة الاجتماعية.
ويرى خبراء علم النفس أن الإنسان، رغم اتصاله الدائم، أصبح أكثر عزلة عن ذاته والآخرين، وأقل قدرة على إقامة علاقات حقيقية مستقرة.
صورة مثالية… وذات حقيقية مهزوزة
تحوّل السوشيال ميديا حياة الكثير من الشباب إلى “عرض مستمر”، حيث يتم انتقاء اللحظات الأكثر جمالًا لتُعرض أمام المتابعين، في محاولة للحصول على الإعجاب والقبول.
لكن هذا السلوك أدى إلى خلل في الثقة بالنفس، وخلق ضغطًا نفسيًا دائمًا لمجاراة “حياة الآخرين”، التي قد تكون وهمية أو مزيفة.
بل أصبح البعض يُقاس بقيمته الرقمية: عدد المتابعين، التعليقات، المشاهدات، وليس بما يحمله من قيم حقيقية أو إنجازات واقعية.
عزلة نفسية وخصوصية مفقودة
جيل السوشيال ميديا أيضًا بات يفقد خصوصيته شيئًا فشيئًا. تفاصيل الحياة اليومية، والمواقف الشخصية، وحتى المشاعر، أصبحت علنية، مما ساهم في خلق حالة من الانفصال عن الذات.
كما أدى الاعتماد المفرط على التواصل الرقمي إلى تراجع مهارات مثل:
الحوار المباشر.
ضبط الانفعالات.
فهم الإشارات الاجتماعية غير اللفظية.
الحل… وعي وتوازن
البديل ليس في الانعزال عن التكنولوجيا، بل في ترشيد استخدامها وتوجيهها لما يخدم الإنسان. وتشمل الحلول المقترحة:
إعادة بناء العلاقات الواقعية داخل الأسرة والمدرسة.
تشجيع الأنشطة الجماعية واللقاءات المباشرة.
تعليم الأجيال الجديدة أهمية الوعي الرقمي.
إعادة التوازن بين الحياة الواقعية والافتراضية.
في النهاية الإنسان أولًا
جيل السوشيال ميديا هو جيل ذكي، متصل، سريع التفاعل، لكنه أيضًا في حاجة إلى لحظة توقف وتأمل.
لعلّه يدرك أن أجمل اللحظات لا تُنشر، بل تُعاش… وأن التواصل الحقيقي
لا يحتاج شبكة إنترنت، بل يحتاج إنسانًا صادقًا وقلبًا حاضرًا.
