د.نادي شلقامي
لم تكن السيدة خديجة بنت خويلد مجرد زوجة لرسول الله ﷺ، بل كانت وطناً استراح فيه النبي من عناء الدعوة، وحصناً لجأ إليه حين اشتدت الأزمات. هي المرأة التي استحقّت أن يقرئها الله السلام من فوق سبع سماوات، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. إن الحديث عنها هو حديث عن “الكمال النسائي” الذي يجمع بين رجاحة العقل، وقوة الشخصية، وعمق العاطفة.
أولاً… مواقف من السيرة.. حين كانت “خديجة” السند واليقين
تجلت عظمة السيدة خديجة في لحظات فارقة غيّرت مجرى التاريخ:
1- لحظة الوحي (التثبيت النفسي): عندما عاد النبي ﷺ يرتجف، لم تزد هلعه بخوفها، بل احتضنته بكلماتها الخالدة: “كلا والله ما يخزيك الله أبداً”. هنا يظهر ذكاء الزوجة التي تذكر زوجها بنقاط قوته في لحظة انكساره.
2- التضحية المطلقة: كانت “سيدة نساء قريش” وصاحبة الثروة، لكنها سخرت كل مالها للدعوة، وتحملت حصار “شعب أبي طالب” وجوعه وهي السيدة المنعمة، لتضرب مثلاً في الولاء للمبدأ.
3- الإيمان السبّاق: كانت أول من آمن، فرفعت عن كاهل النبي عبء التكذيب داخل بيته، فكان لا يسمع شيئاً يكرهه إلا فرّج الله عنه بها.
ثانياً…خديجة “سيدة الأعمال”.. الاحترافية والقيم
تعلمنا السيدة خديجة أن النجاح العملي لا ينفصل عن الأخلاق:
1- الإدارة بذكاء: أدارت تجارة دولية واسعة وهي في بيتها، مما يثبت أن للمرأة قدرة فطرية على التخطيط والقيادة.
2- معايير الاختيار: لم تبحث عن المهارة التقنية فقط في موظفيها، بل بحثت عن “الأمانة” (في شخص النبي ﷺ)، مما يعلم المرأة المعاصرة أن القيم هي أساس الاستدامة في النجاح.
3- المال كرسالة: أثبتت أن قوة الشخصية والنجاح المادي لا يتعارضان مع الأنوثة، بل هما وسيلة لتمكين العائلة وخدمة المجتمع.
ثالثاً…مدرسة الأمومة.. بناء جيل “آل البيت”
لم تكن خديجة أماً عادية، بل كانت صانعة أجيال:
1- القدوة الصامتة: تربت السيدة فاطمة الزهراء في كنفها، فتعلمت منها الصبر والصلابة.
2- صناعة السكينة: استحققت بيت الجنة الذي “لا صخب فيه” لأنها جعلت بيتها في الدنيا خالياً من المشاحنات ورفع الصوت، فوفرت بيئة نفسية مثالية لنشوء أطفال أسوياء وعظماء.
رابعاً…كيف تقتدي المرأة المعاصرة بالسيدة خديجة؟
إن الاقتداء بها هو “منهج حياة” يُطبق اليوم عبر:
1- كوني “السكن”: في زمن الضغوط، يحتاج بيتك إلى صدر حنون وعقل راجح، كوني مصدر الطاقة الإيجابية لا مصدر الشكوى.
2- الذكاء العاطفي: تعلمي اختيار الوقت المناسب للحديث، وتثبيت قلب من حولك بذكر محاسنهم عند الأزمات.
3- الاستقلالية والفاعلية: النجاح في العمل أو الدراسة يكمل دورك كزوجة وأم ولا ينقص منه، إذا أدير بالحكمة الخديجية.
4- الوفاء في الشدة: يظهر معدن المرأة في الصبر على تقلبات الحياة المادية، والوقوف خلف المبادئ السامية.
وختاما….”خديجة.. حبٌّ لم يمت”
لقد ظل النبي ﷺ يذكرها طوال حياته ويقول: “إني رُزقت حُبها”. لم يكن هذا الوفاء من فراغ، بل تقديراً لامرأة لم تشبهها امرأة في بذلها.
يا أيتها الأخت،…الابنةً والزوجة والأم:
كوني لزوجك “خديجة” يكن لكِ “محمداً” في وفائه. اجعلي من سيرتها دستوراً لبيتك، وتذكري أن العظمة تكمن في القلب الذي يؤمن، والعقل الذي يدبر، والروح التي تمنح الأمان.
