ديني

مكانة اليتيم في القرآن والسنة

د.إبراهيم عوض
وفي مجال حقوق اليتيم نجد أن الاتفاقيات الدولية رغم أنها صدعت الرؤوس بكثرة الإعلانات والمواثيق المتعلقة بحقوق الطفولة لم تول عناية كبيرة باليتيم، ولم يذكر حقه إلا في إعلان جنيف حيث نص في مادته الثانية على وجوب إيواء وإنقاذ اليتامى، وأما إعلانات حقوق الطفل فليس فيها شيء يختص باليتامى، مع أن هذه الإعلانات والمواثيق عدلت وطورت وأقرت في أوج تطور الحضارة والمدنية واهتمامها بتدوين الحقوق، ووضع القوانين.

في مقابل ذلك نجد عشرات النصوص من الكتاب والسنة تعرض لليتامى، وتبين حقوقهم، وتلزم المجتمع برعايتهم، وتأتي على الدقيق مما يجب لهم.. وفي القرآن فقط ذكر اليتيم وحقه في ثلاث وعشرين موضعا، عدا ما في السنة من عشرات الأحاديث في ذلك.

وحين يكفل المؤمن يتيما فإنه يتذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام ذاق اليتم مثله، ويؤمر بعدم قهره ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6] يقابلها ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]. وهي تسلية لليتامى، وإغراء لكافليهم بأنهم يكفلون من عاشوا طفولتهم عيشة النبي عليه الصلاة والسلام فلا يؤذونهم ولا يقهرونهم.

وقهر اليتيم بقول أو فعل ليس من أخلاق المؤمنين، بل هو من أخلاق المكذبين ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1- 2] وهذه الآية تجعل الراعين لليتامى على حذر شديد من دعهم، وهو دفعهم وقهرهم، فالقرآن بهذا الزجر يقطع الطريق على من يستضعف اليتيم لعدم وجود مدافع عنه، فالله تعالى يتولى الدفاع عنه، ﴿ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 45].

ولا تقتصر الآيات القرآنية على رفض تعنيف اليتيم وقهره وأذيته، بل تدعو إلى إكرامه بالقول الطيب والمعاملة الحسنة، وتذم من لا يفعلون ذلك به ﴿ كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ ﴾ [الفجر: 17].

وأكثر شيء يؤذى فيه اليتيم، ويتكرر وقوعه في الناس هو أكل ماله؛ لأنه صغير لا يعرف حفظه ولا الدفاع عن حقه، ولا منع المعتدي عليه؛ ولذا كُرر في القرآن النهي عن العبث في مال اليتيم، أو المخاطرة به، وعبر عن النهي بأبلغ عبارة، وهي النهي عن قربانه ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152] وهذه الآية جاءت في حفظ الحقوق في سورتي الأنعام والإسراء، في جملة من الأوامر والنواهي. فلا يقترب من مال اليتيم بأخذ أو اقتراض، أو غيره من أنواع التصرف إلا بما يكون في مصلحة اليتيم، وهي الإنفاق عليه منه بالمعروف، وتنميته بالتجارة المأمونة، وهو معنى الاستثناء ﴿ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ فما فيه مضرة على اليتيم، أو ما لا مضرة فيه ولا منفعة فإن مال اليتيم يجب أن يصان عنه ويحفظ.

ولم يقتصر في القرآن لحفظ مال اليتيم على النهي عن قربانه فحسب، حتى بين الله تعالى العقوبة الشديدة على من يتخوضون في مال اليتيم؛ لقدرتهم عليه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10] وكفى بهذه الآية زجرا عن مال اليتيم. وكأن الصحابة رضي الله عنهم فزعوا من مال اليتيم بعد هذه الآيات، وخافوا أن يقع منهم تفريط غير مقصود، فيتناولهم هذا الوعيد، فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ولعظم السؤال والجواب، وعظم حق اليتيم؛ فإن الله تعالى ذكر مسألتهم في كتاب يتلى إلى يوم الدين؛ ليقرأ ذلك ويعيه ويعمل به أولياء اليتامى وأوصياؤهم ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [البقرة: 220]

ودلت السنة النبوية على أنه لما نزل الوعيد الشديد في أكل أموال اليتامى شق ذلك على المسلمين، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى؛ خوفا على أنفسهم من تناولها، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأخبرهم تعالى أن المقصود، إصلاح أموال اليتامى، بحفظها وصيانتها، والاتجار فيها، وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى؛ لأنهم إخوانهم، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه، والمرجع في ذلك إلى النية والعمل، فمن علم الله تعالى من نيته أنه مصلح لليتيم، وليس له طمع في ماله، فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس، ومن علم الله تعالى من نيته أن قصده بالمخالطة التوصل إلى أكلها وتناولها، فذلك الذي حرج وأثم، والوسائل لها أحكام المقاصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى