مبدعات مصريات يرسمن مشهدًا خاصًا..فنانات يغردن خارج السرب (2)

كتب/ سيد هويدي
فنان بصري وناقد
اتخذت الإشكالية الثنائية: الرجل والمرأة، لدى العرب عامة مسارين، الأول يسعى إلى تساوي الجنسين في ظل إرث ثقافي وعقائدي، وعادات وعوائق اجتماعية واقتصادية وتشريعية قانونية، أما المسار الثاني، فهو البحث عن هوية خاصة للمرأة.
وهذان المساران شهدا مراحل نضالية مضنية لإثبات الذات وانتزاع الفرص، وتحقق الفردية، والرغبة في إعمال مبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة في الحقوق، وأحلام المستقبل المهني، وفيما يبدو أن المعركة ما زالت دائرة حتى الآن.
أما الزعيم الزنجي المناضل مارتن لوثر كينغ، فيقول: “إن الطريق إلى المساواة ليس من خلال الانشقاق، ولكن من خلال الاندماج”، من غير المتصور أن يطرح ما يخص المرأة بمعزل عن الرجل.
فيما ظلت بعض أصوات تردد، في ادعاء أننا إزاء مجتمع ذكوري، فالتصور الواهم أن للمرأة حقوقاً لدى الرجل، يعكس نظرة أحادية لهذه القضية، بالفعل للمرأة حقوق لكن ليست في مواجهة الرجل فقط بل أمام المجتمع ككل، فمن الأجدى النظر إلى القضية على نحو أنها قضية المجتمع باتجاه الحرية المسئولة.
خاصة أن علماء الأجناس قد قدموا البرهان القاطع على أن الفوارق الجنسية تتعلق ببعض الخواص الثانوية فقط، مما لا يسمح بإقامة حدود فاصلة بين المجموعات الإنسانية المختلفة، لذلك يقدر العلماء أن 1% فقط من مجموع الجينات غير مسئولة إلا عن الملامح السطحية، مثل لون الجلد وما إلى ذلك، فما بالك لو أن الحديث والقياس هنا، هو الرجل والمرأة، لذا ليست هناك ثمة فروق فردية في القدرات، ومستوى الذكاء والإبداع أيضاً.
وإذا كانت هناك فروق، فمرجعها إلى عوامل تاريخية، اكتسب من خلالها الرجل خبرات تراكمية بحكم طبيعة دوره خارج البيت، بينما حكم التاريخ في أحيان كثيرة على المرأة أن تظل حبيسة الجدران بسبب طبيعتها كأنثى، أو كأم، فيما أعتقد أن الحل الأصيل للإشكالية، لا يمكن تحقيقه عن طريق وضع الرجل والمرأة بعضهما في مواجهة بعض، بل في توحيد قواهما التقدمية.
اتسمت إبداعات الفنانات الشابات بالجرأة فنرى ريم حسن تتناول كل شيء في المشهد المعاصر، وتقترب جيهان سليمان عن قيم تجريدية، وإن كانت في الفترة الأخيرة تلتقي مع توجهات مدرسة الباوهاوس، وتشترك معها أمل نصر، وتصطدم هويدا السباعي بالمألوف، وتنفرد وئام المصري باستنطاق كوامن رسم جديد، وتلجأ نجلاء سمير إلى تعدد مستويات الرؤية في اللوحة الواحدة، وتجمع عبير حمدي بين السريالية بمفهومها المطلق والتجريد التعبيري، على نحو فريد. ليصبح اللون بطلًا في لوحات جيهان فايز.
وتشترك كل من: إيمان أسامة، أسماء الدسوقي، وأسماء النواوي في تجسيد وجود المرأة الرومانسي في نفس الوقت معبر عن صيرورة حياتية، أما إيمان عزت اختارت التجريد أسلوبًا متمسكة بعناصر البيئة في محيطها.
في الوقت الذي تعددت فيه الأساليب لدى رشا سليمان، فيما اتخذت سحر الأمير من المنحى الشعبي سبيلًا، وهند عدنان تتمسك بالواقعية الرومانسية، وتشترك معها فيروز سمير، بينما تتخذ نجلاء فتحي من التلقائية طريقًا. أما منى عيلوة فتمسكت بالجذور في تماهي مع عناصر المشهد المصري في عصر الأسرات التي امتدت من الأسرة الأولى من 3150 قبل الميلاد، بتناول مبهر ولافت وحساس بعد أن وصل المصري القديم إلى صيغ وقيم جمالية عالية قد يكون من الصعب مضاهاتها بسهولة لكنها استطاعت، بينما جعلت “أمل أحمد مصطفى” الفنانة السكندرية من الغربة سبيلًا للإبداع والإنجاز حيث تعبر المحيط سنويًا حتى تعرض في وطنها.. بأسلوب تجريدي غنائي يحتفي باللون مع حركة الخط، أما إيناس الصديق تعكس المشهد المعاصر لبنات العاصمة على نحو رمزي.
في الوقت الذي تناولت فيه هالة الشافعي خامة الباستيل لتجعلها وسيطًا معبرًا عن قيم جمالية جديدة خاصة مع أسلوبها التجريدي الغنائي، ولجأت آلاء نجم إلى الرمزية من خلال حوار الألوان، وسكنت “مها جورج” في التفاصيل كأنها دانتيلا لمشهد حياتي مجرد.
وجمعت هديل نظمي بين الفن التشكيلي والسينما، واحتفت مي رفيقي وهالة عامر بالجسد الإنساني، ومعهم غادة عبد الملك، واتجهت هيام عبد الباقي إلى السرد من وحي الحكايات الشعبية لتقترب من الواقعية السحرية، وساندي زكي إلى التجريد الغنائي، منشغلة بالخامات المعاصرة، واتجهت ورانيا عزت إلى التجريب، وارتبطت ميرفت الشاذلي بالموضوع الشعبي وعناصره الأثيرة، واقتربت أحلام فكري قليلا من واقع المرأة ومعاناتها، وذهبت رانيا فرغلي إلى عالم عرض الأزياء فنيًا بعد أن درست في إيطاليا طرق عرض الملابس.
أما النحاتات فبرعت فيفيان البتانوني في الحوار مع الحجر، فيما اتسمت منحوتات أميمة إبراهيم وهالة عبد المنعم بحساسية مرهفة، وتجمع سامية عبد المنصف بين عدة أساليب، ومدارس فنية وأيضًا خامات مختلفة لكن على نحو واعد، وتبرز موهبة.
ومن الظواهر الملفتة، خلال فترة السبعينات تجمد نشاط الفنانات في أغلب فروع الفن المختلفة، إلى أن فتح الباب لمشاركة الشباب في صالون الشباب الذي انطلق في نهاية العام 1989 كأحد أهم الأحداث التي غيرت مجرى الحياة الفنية. عندما دفع الفنانات للخروج عن السائد، وتشجيعهن على التوسع في الولوج إلى الفروع الأخرى كالنحت والخزف، والتصوير الفوتوغرافي، بعد أن اقتصر النشاط على الرسم والتصوير (الرسم الملون) فقط.
في الوقت الذي ندرت فيه أسماء النحاتات، رغم وجود سمبوزيوم أسوان، وتدفق عدد ليس بالقليل على التصوير الفوتوغرافي حيث تميزت سماح الليثي، وسارة مصطفى، وئام المصري، نرمين همام، مروة عادل.
وتنفرد المرأة في مجال فن الحلي بالساحة وحدها، حيث يعد إسهام الرجل هنا على سبيل الاستثناء، فبرزت إحسان ندا، وعزة فهمي وزينب خليفة، وسوزان المصري، فاطمة الطناني، زينب منصور، نجوى مهدي، فيما اتسعت دائرة مشاركة الشباب وحققوا إنجازات كبيرة، ومنهم نهلة قناوي، سارة عبد العظيم، علياء الجريدي، وهاد سمير، هالة عبد المنعم، أسماء بربري.
ومما لا شك فيه أن إسهام الفنانات التشكيليات أضاء الحياة الفنية بداية من الرعيل الأول وحتى أحدث جيل، كما استطعن تجسيد ملامح المشهد التشكيلي خلال القرن العشرين، وحتى الآن على نحو متفرد، من النادر أن نجد له مثيل في أي من المجالات الأخرى، بل استطعن أن يواكبن التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القاسية، ويعكسن أفكار وفلسفات العصر، وإن كانت في بعض الأحيان انفصلت عن الواقع الفني، بسبب اختيار سكة السلامة، والأعباء الاجتماعية.