ملفات و تحقيقات

الميثادون… علاج مفقود في مواجهة الإدمان: أزمة المرضى بين وعود الصحة وسوق سوداء بلا رقيب.

 

تحقيق السيد عيد

 

“الأمانة العامة تحت المجهر: أين اختفى الميثادون من مراكز العلاج؟”

بين قرارات حكومية متخبطة، ونقص مفاجئ في الدواء، يقف آلاف من متعاطي الهيروين السابقين، المستفيدين من برنامج العلاج بالميثادون، في مواجهة خطر الانتكاسة. في هذا التحقيق، نكشف أبعاد الأزمة التي ضربت البرنامج العلاجي في مصر منذ نهاية 2023، ونرصد شهادات المرضى، وأسباب الانقطاع، ومظاهر الفوضى التي تسود السوق السوداء.

يقول ابراهيم احد المرضي: فجأة، في بداية شهر أبريل الماضي، أبلغت إدارة المستشفى المرضى أنه سيتم تقليل العلاج لأن المخزون انتهى. «حاسس إن علاج لمدة سنة ضاع بعد ما عرفت إنه خلص، وليّ زمايل كتير في مستشفيات تانية انتكسوا تاني. أعراض الانسحاب عندي كبيرة، وممكن نرجع كلنا نشرب تاني لو مكملتش علاج بالميثادون، وغالبًا دي هتكون الانتكاسة التاسعة ليا لو مرجعتش» .

هذه الأزمة تسببت في الإطاحة برئيسة أمانة الصحة النفسية، منن عبد المقصود، وتعيين وسام أبو الفتوح خلفًا لها، بحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى «حديث وطن».

وبحسب مصدرين، أحدهما مسؤول بارز، والآخر من داخل مستشفى العباسية يجري تحقيقًا واسعًا مع عدد من قيادات الأمانة العامة للصحة النفسية في مخالفات مالية وإدارية، ومنها نفاد الميثادون من المستشفيات العامة للصحة النفسية، بجانب إهدار ملايين الجنيهات على برنامج علاجي دون بروتوكول واضح. قامت الرقابة الإدارية كذلك بالتحقيق مع المديرين المالي والإداري للأمانة.

حاول «حديث وطن» التواصل مع د. منن عبد المقصود الامين العام للأمانة العامة للصحة النفسية لسؤالها عن تفاصيل البرنامج والتحقيق معها دون رد.

الميثادون هو دواء أفيوني (ينتمي لعائلة المواد المخدرة الصناعية) يُستخدم أساسًا في الطب لعلاج إدمان الهيروين وغيره من المواد الأفيونية، وأيضًا لتسكين الألم الشديد في بعض الحالات.

باختصار، الميثادون ليس علاجًا سحريًا، لكنه أداة فعالة في برامج “العلاج بالبدائل”، ويُعد من أكثر وسائل العلاج نجاحًا عند دمجه مع الدعم النفسي والاجتماعي.

أزمة الميثادون. أزمة تكشف عن خلل في التخطيط والتنفيذ، وعن تغليب الاعتبارات المالية والتسويقية على حياة وصحة المرضى. فبدلًا من الالتزام بالبروتوكولات العلاجية الدولية التي تنظم استخدام هذا العقار الخطير، جرى استخدامه بشكل عشوائي وتوسعي لجذب التمويل، ما أدى إلى فتح سوق غير منظم للدواء، وخلق اعتماد جسدي ونفسي جماعي عليه، ثم الانسحاب منه فجأة دون بدائل آمنة.

لكن، وفقًا للمصادر، لم تلتزم مصر بمحددات هذا البروتوكول. بحسب استشارية علاج نفسي وإدمان، فإن طريقة التعامل مع الميثادون في مصر ودخوله كانت عليها علامة استفهام كبيرة. طبقًا لها، فإن المنطق الذي استخدمته الأمانة هو أن الميثادون سيقضي على قائمة الانتظار الطويلة من المرضى.

بدأ تطبيق برنامج العلاج ببدائل الأفيونات (الميثادون) في مصر، في مارس 2023، داخل المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية (ومقرها داخل حرم مستشفى العباسية للصحة النفسية، وتُشرف على 20 مستشفى نفسي في جميع أنحاء الجمهورية)، بهدف التخفيف عن الدولة من أعباء التكاليف المرتفعة للإقامة طويلة الأمد داخل المستشفيات. ووصل عدد الوحدات المتخصصة في هذا العلاج إلى 17 وحدة موزعة في مختلف المحافظات.

في البداية، تعاقدت «الأمانة» مع شركة دواء لتوريد الميثادون في مارس 2023، قبل أن تحصل على منحة من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة لتوسيع البرنامج، بحسب مسؤول سابق في مستشفى تابع للأمانة العامة للصحة النفسية.«فجأة؛ ومن دون دراسة جدوى، قررت الوزارة إنشاء وحدات خفض الضرر والعلاج بالميثادون بتكلفة ملايين الجنيهات»، يقول المسؤول، «فوجئنا بأن علينا ضغطًا شديدًا من الأمانة لعلاج المرضى بالميثادون في أسرع وقت».

يقول أحد المتعافين من إدمان الهيروين لـ«حديث وطن، والذي بدأ رحلة علاجه بالميثادون قبل شهرين، إنه شعر في بداية علاجه بضغط كبير من المسؤولين للالتحاق بالبرنامج. «اتقالنا العلاج ده فيه أمل ومهم لكم، وكأنه بيحاول يجمع أكبر عدد مننا علشان نتعالج بيه»، يقول، «[لكن] اتفاجئت إن لقينا شباب صغير وأعداد كبيرة فعلًا مش مستحقة العلاج، يعني لقيت مرضى بتاخد ميثادون وعمرهم ما ضربوا حقنة، وفي مرضى مواد غير أفيونية كانوا في البرنامج العلاجي».

يعتبر المسؤول أن الأمانة العامة للصحة النفسية لم تكن مهتمة بوجود إشراف طبي دقيق، قبل مرحلة علاج الميثادون للمرضى، لأن الغرض من البرنامج كان «تسويقيًا»، بحسب تعبيره، أكثر منه خطة علاجية واضحة للمرضى. «كل يوم الأمانة تسألنا: عندكم كام حالة؟ وليه الحالات اللي بتتعالج بيه مش بتزيد؟ شعرنا إن فيه بيزنس كبير، مش مجرد خطة علاجية»،

لم تصدر وزارة الصحة المصرية بيانًا رسميًا يوضح الأسباب الدقيقة لنقص الميثادون. ومع ذلك، أشارت تقارير إعلامية إلى أن الأزمة أدت إلى تغييرات إدارية داخل الأمانة العامة للصحة النفسية، حيث تم إعفاء رئيسة الأمانة من منصبها في مايو الجاري 2025.

توسع استخدام الميثادون بشكل كبير وعشوائي. بحسب طبيب داخل مستشفى تابع للأمانة العامة للصحة النفسية، دفع الأمانة لاستخدام الميثادون في علاج الديتوكس «مرحلة سحب السموم»، وهي أمر محظور. «كل ده علشان الدفعة تخلص في أسرع وقت».

أرجع مصدران هذا الاستعجال إلى ما وصفوه بالعلاقة القوية لمسؤولي «الأمانة» مع الشركات العالمية المنتجة للميثادون، والتي ضغطت لخلق سوق له في مصر دون اهتمام حقيقي بخطة علاج واضحة.

في بلد يعاني فيه الآلاف من الإدمان، يمثل الميثادون شريان حياة حقيقي. ومع غيابه، يواجه المتعافون خطرًا مزدوجًا: الخطر الصحي، والخطر النفسي. والسؤال الآن: هل تتحرك الدولة قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية؟

وبين قرارات مؤجلة ومرضى مهددين بالانتكاسة، يبقى سؤال جوهري: من يحاسب من؟ ومن ينقذ هؤلاء المرضى من دوامة الإدمان من جديد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى