الدعوة للجهاد واختلاط الحابل بالنابل

د. فرج العادلي
ظهرت دعوات بالجهاد في غزة- أسأل الله تعالى أن يطهرها وينصرها على عدوها- وأخرى مخذلة مثبطة وإن كانت بغير قصد، لأن العدو اتخذها ذريعة واستثمرها لصالحة، وبين هذا وذاك هاجت الشعوب وماجت، واختلط الحابل بالنابل، وأصبحت العواطف سيدة الموقف بلا أدنى منازعة، وهناك أمور حربية وسياسية لا يعلمها إلا أربابها.
وفي هذا المقال سأحاول جمع شتات الأمر من وجهة نظري المتواضعة وباختصار شديد.
أولا: من دعا إلى النفير العام مخطئ تمام، حتى وإن استدل بنصوص فقهية وشروح حديثية صحيحة، وذلك لأن هذه النصوص كانت في عصر القوى الظمى فيه للمسلمين، وكانت البلاد كلها رقعة واحدة، وتُعامَلُ معاملة البلد الواحد، لأنها تحت حكم حاكمٍ واحدٍ بوليات شتى، والآن تغير الزمان والمكان، واختلفت القوى، بل اختلفت الحدود، واختلفت صورة نظام الحكم، ويجب مراعاة ذلك قبل الفتوى كما هو مقررٌ.
ثانيا: إن من كان يدعو قديما هو العالم الشرعي للبلاد، وهو يشبه حاليا الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، وذلك يكون بتنسيق بينهم وبين الدولة أو السلطة أو بطلبٍ من القادة بعد استيفاء المعايي اللازمة ودراسة الأمر من جوانبه كلها حربية وسياسية واقتصاديةو..، فهم لا يعملون مستقلين عن ذلك، وهذا لا يقاس عليه دعوة اتحادات وغيرها لا تمت للواقع بصلة.
ثالثا: إن الجهاد يقسم على الأمة بحسب حالها.
فهناك المجاهد بالسيف والسنان ( أقصد السلاح)، وهو مختص بجندي تم تدريبه وتأهيله جيدا، ثم وضع في مكان يليق به في القتال، وبسلاح يجيد استخدامه، وهذا لا يكون إلا من قبل الدولة التي تفهم هذا الفن وأغواره،
والذي يدعو الكل للقتال بأي عمر، وأي لياقة بدنية، وأي سلاح، ومن أي موقعٍ وجبهة فهذا جنون وإلقاء للناس في التهلكة، وهو منهي عنه شرعا، ﴿… وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
و هناك جهاد بالمال، وهو يكون للأغنياء.
وهناك جهاد بالكلمة لجمع الأمة ووحدة الصف والالتفاف حول قادتها ودعمهم أمام الأمم الأخرى، ولا يكون إلا من العلماء الكبار الذين خُوِّل لهم أمر الدعوى والفتوى، أما دخول العواطف والشباب وغير المتخصصين فهذا من الأمور التي تحدث فوضى عارمة وبلبلة شديدة وانقسامات عديدة في المجتمعات،( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) وهناك جهاد بالدعاء والتضرع.
على الجانب الآخر
ظهرت دعوات بأن المجاهدين أخطأوا بدخولهم هذه الحرب التي لا طاقة لهم بها، وهذا أيضا من وجهة نظري المتواضعة خطأ محض،
لماذا؟ لأن الفتوى تختلف باختلاف زمانها كما سلف، فهناك فتوى ما قبل الفعل، وفتوى ما بعد وقوع الفعل، وليس الأمر التشهي أو أن الدين يوظف حسب الواقع، كلا، بل إن الدين أرشدنا إلا أن الفعل له أحكام قبل وقوعه، وأحكام بعد وقوعه،
وكان ألأليق بقبل الفعل أن ننصح ونوجه، وأن نبين المخاطر، وأن نحذر من المآلات إلى آخره.
وأما مرحلة ما بعد الفعل والوقوع فيه، فهي أن نساعد بكل الوسائل من بابها وطريقها الشرعي الصحيح، أقصد الذي لا يخرج عن الإطار العام الذي لا يهدد المجتمعات، وأن نحدد لكل شخص دورا يؤديه، الجندي على جبهته، والغني بماله و… كما سبق تفصيله، وأن نلتزم الوحدة، وعدم التنازع، وألا نتكلم فيما لا نعرفه، وهذا أضعف الإيمان،( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) فكل كلمة تقولها أنت محاسب عليها.
ولا يجوز للعامة أن تكون له سطوة على العلماء وعلى السياسيين وعلى غيرهم ويحملونهم على كلام معين، فإن في هذا حرمان لهم من علم العالم وسياسة السياسي، وهذا شر، والذي فوقه في الشر أن يحاول العالم والسياسي وغيره أن يرضيهم.
والله أسأل أن يعين المجاهدين، وينصرهم، وأن يربط على قلوب المكلومين، وأن يداوي جرحاهم، ويطعم جائعهم… آمين