أسطورة الجاسوسية المصرية التي خدعت العدو
حموده امين حسين
وُلد رفعت الجمال في دمياط عام 1927. منذ صغره، امتلك ذكاءً فطريًا وقدرة مذهلة على التأقلم. أتقن الإنجليزية والفرنسية، وكان شغوفًا بالفن والتمثيل. بعد وفاة والده، سافر إلى أوروبا، وتنقل بين عدة دول مستخدمًا هويات مزيفة، حتى أصبح مطلوبًا في بعض القضايا هناك. في أوائل الخمسينيات، ألقت السلطات المصرية القبض عليه، وهناك بدأت قصة التحول الكبرى: من رجل عادي إلى أسطورة استخباراتية.
رأت فيه المخابرات المصرية شخصية استثنائية تصلح للعمل خلف خطوط العدو. بعد تدريبات مكثفة في التمويه والتخفي والعمل السري، زُوّد بهوية يهودي ألماني يُدعى يعقوب بن داوود بن روزن. هاجر إلى إسرائيل عام 1956، وهناك أصبح رجل الأعمال رأفت الهجان، وبنى شخصية محبوبة وموثوقة في أوساط النخبة الإسرائيلية.
خلال سنوات عمله في إسرائيل، نجح رأفت الهجان في اختراق مؤسسات حساسة، وكون علاقات مع مسؤولين في الجيش والمخابرات والسياسة.
من أبرز ما قدمه:
تقارير عن الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية لحرب 1967.
تحذيرات مبكرة من موعد الضربة الجوية.
معلومات مكنت القيادة المصرية من التحضير الجيد لحرب أكتوبر 1973.
تقييمات دقيقة عن تسليح الجيش الإسرائيلي وتحركاته.
اعتمد في نقل المعلومات على وسائل متنوعة، منها الحبر السري، المراسلات المشفرة، وأجهزة إرسال مخفية.
ورغم المظاهر الاجتماعية الباذخة، ظل رفعت الجمال يعيش حياة محفوفة بالمخاطر، فكل يوم كان من الممكن أن يُكتشف أمره. عانى من العزلة والتوتر، لكنه لم يتراجع أو يخن مهمته. ظلت مصر تمدّه بالدعم والتواصل السري حتى نهاية مهمته.
أنهى رفعت الجمال مهمته أوائل الثمانينات، وانتقل إلى ألمانيا حيث توفي في مدينة فرانكفورت عام 1982. دُفن تحت اسمه الحقيقي، وظلت قصته طي الكتمان حتى أُعلنت للعامة في أواخر الثمانينات، وأُنتج عنها مسلسل مصري شهير حمل نفس الاسم: “رأفت الهجان”.
ظهرت لاحقًا ادعاءات من وسائل إعلام إسرائيلية بأنه ربما كان عميلًا مزدوجًا، لكنها لم تُثبت بأي وثائق أو أدلة حقيقية. في المقابل، أكدت المخابرات المصرية إخلاصه، وقدّمت ما يدعم دوره في نجاح عمليات كبرى، خصوصًا قبل وأثناء حرب أكتوبر.
رأفت الهجان لم يكن مجرد جاسوس، بل كان جزءًا من التحول الاستراتيجي في تاريخ الأمن القومي المصري. قصته ستبقى محفورة في الذاكرة الوطنية كرمز للشجاعة والوفاء، ورمزًا من رموز الحرب الخفية التي تصنع النصر قبل أن تبدأ المعركة.