الأدب

…رواية الفقراء…. للكاتب الروسي فيودور ديستوفيسكي

مراجعة أميرة محمد

____________

ديستوفيسكي الأديب الروسي العظيم معنا وفكرا ومضموناً, الأديب الذي أقف أمام كل حرف يكتبه بدهشة وإعجاب شديدين .

أحب أن أبدأ بنبذة بسيطة عن أعظم كاتب روائي على الإطلاق و يتبعه تشيخوف ككاتب قصة قصيرة. أعود لأيقونة الأدب على مر العصور….ديستوفيسكي… الكاتب الفيلسوف الذي عرف ماهية الروح و أغوارها، كشف عوار النفوس و سبح في غيابات النفس البشرية بكل ما تجمع من تناقضات ، علم العالم كيف تكون المعاناة مصدر إلهام و الألم مبعث سعادة و الإدراك أسمى غاية فتجد أن نظريات فرويد منبعها أدب ديستوفيسكي ففي روايته الشهيرة الإخوة كارامازوف عرض ديستوفيسكي لحياة قد يكون هو نفسه بطلها بل بالأحرى هو من تعرض لذلك بالواقع من مرض مزمن و حكم إعدام ثم سجن بسيبريا ثم استعرض لأخوته و والده وإن تركت لنفسي العنان لن انتهي من سرد لأحداث الرواية و من سرد في حب ديستوفيسكي الأديب النفسي الفيلسوف .

كل ما تعرضت له حين بحثت في الأدب الديستوفيسكي جعلني أفتش في المنبع ….الأدب الروسي…. عشقت قصص تشيخوف و أدمنت مكسيم غوركي صاحب الكتاب الشهير ….طفولتي…. فوجدت أنهم جميعا يوجهون القلم نحو معاناة النفس البشرية الأمر الذي جعلني أعيد النظر في تولستوي نفسه فهو الآخر يواجه و لكن على طريقته الخاصة … حاولوا أن تقرأوا السيرة الذاتية لتولستوي و ستدركون معنى ما أقول.

أعود الآن لروايتنا التي نحن بصددها …المساكين أو الفقراء… قرأت الرواية ولم أكن أعلم أنها الرواية الأولى لديستوفيسكي وحقيقة الأمر هذا أصابني بدهشة كبيرة جدا ,فكيف للعمل الأول أن يكون بهذا القدر من العمق والحنكة الأدبية والنفسية والفلسفية والخبرة بمجريات الكثير من الأمور فنجد أن الرواية عبارة عن رسائل بين شخصين مسن يعمل مستخدم لدى الحكومة وفتاة شابة تصغره كثيرا ومن خلال هذه الرسائل نجدنا أمام حالة إنسانية من الدرجة الأولى حيث يؤكد الكاتب على الجوانب الميتافيزيقية للشخصيات التي تبحث بعمق في جوانبهم النفسية والإجتماعية.

رواية الفقراء رسائل نعم ولكنها رسائل للبشرية جمعاء ليس فقط ربيع وخريف ولكنها رواية كل الفصول ،هنا يتحدث ماكار مع ڤارڤارا عبر الرسائل عن كل شىء يمر به في حياته ،كل معاناة يواجهها،كل ألم يحل به،كل بهجة يتمنى لو تكون هى معه فيها،كل ما يدور حوله من أحداث،يشرح لها كل شىء ،حتى ما يراه عن بعد عبر شرفته فيما يتعلق بها فيعرف إذا ما كانت تشعر بالقلق والتوتر أو السعادة أو حتى متى تبدأ العمل ومتى تخلد للنوم .من خلال كل ما يستعرض من أحداث ترد عليها ڤارڤارا في رسالة تشرح فيها هى الأخرى كل ما تمر به وكل ما تراه بخصوص ماكار.

من خلال هذه الأحداث نجد هذا العبقري ديستوفيسكي الذي يغوص في أعماق النفس وخاصة الناس الفقراء وعلاقتهم بحياة الأغنياء ،هنا استعرض لحياتنا جميعا على مر العصور ففي كل وقت وزمان نجد طبقات مهمشة وأخرى تنال حقوقها من الفقراء والمساكين أنفسهم .

أعتبر رواية ..الفقراء ..هى الأيقونة لأعمال ديستوفيسكي تحمل الكثير والكثير من المشاعر الإنسانية المقدسة التي ما وجدت نفسي معها غير باكية ،تعاطفت جدا مع أبطاله بل ولمت ڤارڤارا في كثير من الأحيان فاختيار الحل الأسهل بالارتباط بثري ليحل مشكلاتها أربكني وألمني جدا قول ماكار لها حين علم ذلك :- “سأموت بكل تأكيد لن يتحمل قلبي هذه الكارثة ،أحببتك كما أحببت الخير ،أحببتك كما لو كنت أبوك وأنت ابنتي ،أحببت كل شىء يتصل بحياتك يا حياتي ،لقد عشت من أجلك أنت وحدك.”

أجد هنا بعض النقاط التي قد تؤخذ على الرواية منها الترجمة وهذا لا علاقة للكاتب به وأيضا بعض الملل في وصف بعض المشاهد وأرجح ذلك إلي أنه أراد أن يصف جملة وتفصيلا ما يعانيه الفقراء بكل دقة .

اقرأوا أدب ديستوفيسكي وعيشوا الإنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى،اقرأوا الفقراء وحاولوا أن تعلموا مقصد الكاتب من أنه سيظل يكتب ما يعبر به عن المعاناة والأمل في ذات الوقت وأخيرا أحب أن أقول أن الفصول يمكنها أن تلتقي ليحيي كلا منهما الآخر فلا تقتلوا الخريف ولا تخنقوا الربيع دعوهم يتنفسوا حياة الروح التي لا يعيها غيرهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى