الفن الشعبي المصري: حقائق خالدة لعشاق الفن

د. إيمان بشير ابوكبدة
يعكس الفن الشعبي المصري التاريخ الثقافي الغني للبلاد، الذي تشكل بفعل التقاليد العريقة والتأثيرات الإسلامية والتطورات الفنية الحديثة. من التطريز الدقيق في المناطق الريفية إلى أنماط الفخار النابضة بالحياة، تُسهم كل منطقة بأسلوبها وأهميتها.
العناصر الأساسية للفن الشعبي المصري
الحرف التقليدية
المنحوتات: صنعت المنحوتات المصرية من الخشب والحجر والمعادن، وصورت آلهة وفراعنة وشخصيات أسطورية. صنعت التماثيل الكبيرة أساسًا للفراعنة، بينما ظهرت الآلهة في اللوحات والنقوش البارزة. كان تمثال “كا” ، الموجود في المقابر، يرمز إلى مثوى الروح. خضع تصوير الآلهة لأعراف صارمة، حيث كان الرجال يشيخون والنساء يبقين في شبابهن. تآكلت العديد من المنحوتات الخشبية، لكن المقابر احتوت على نماذج للحياة الآخرة.
الفخار: الفخار المصري، المصنوع من طين النيل، مُزخرف بألوان وأنماط نابضة بالحياة، غالبًا ما تجسد الحياة اليومية والرموز الشعبية. لهذا الفن تاريخ عريق، حيث وُضعت قطع فخارية في المقابر لتمثيل أعضاء مثل الرئتين والكبد، والتي كانت تزال أثناء التحنيط. كما دُفنت قطع فخارية أصغر حجمًا مطلية بالمينا مع الموتى. وكثيرًا ما استخدمت مخاريط فخارية، يتراوح ارتفاعها بين 15 و25 سم، لتزيين جدران المقابر، محفور عليها أسماء وألقاب المتوفى ونقوش متعلقة بالجنازة.
المنسوجات: تشمل الحرف التقليدية المصرية مجموعة متنوعة من الإبداعات الفنية، مثل الخيامية (التطريز)، والسلال المنسوجة. تتميز هذه المنتجات اليدوية، المتوارثة جيلاً بعد جيل، بأنماط نابضة بالحياة، وأشكال هندسية، وتصاميم رمزية تُبرز الثقافة المصرية.
القيشاني: القيشاني المصري هو سيراميك مزجج مصنوع من رمل الكوارتز والجير والنطرون، يحرق حتى يصبح لامعًا. استخدم منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصر الإسلامي، وكان بديلاً أقل تكلفة للأحجار الكريمة مثل الفيروز واللازورد. يشتق اسم “القيشاني” من تشابهه مع الفخار الإيطالي، بينما تعني كلمة ” تجهنت”المصرية” مبهر. استُخدم القيشاني، الذي غالبًا ما يكون بألوان زرقاء مخضرة، في الترصيعات والتمائم والقطع الصغيرة، مع تصاميم مثل عين حورس والجعارين التي ترمز إلى الحماية والبعث.
المجوهرات: قدر المصريون القدماء المجوهرات تقديرًا عاليًا، مستخدمين مواد مثل الذهب والعقيق والفيروز واللازورد، بينما صُنعت قطع أبسط من العظام والأصداف. كانت المجوهرات الملكية أكثر تعقيدًا، بتصاميمها المعقدة التي عكست الثروة والمكانة الاجتماعية والرمزية الدينية. مع حلول عصر الدولة الحديثة، أصبحت أنماط المجوهرات أكثر تعقيدًا، وتأثرت بالتصاميم اليونانية والشامية، حيث عثر على نماذج رائعة منها في مقبرة توت عنخ آمون . وتصوَر تقنيات صناعة المجوهرات في مشاهد المقابر، مثل تلك الموجودة في مقبرة ميريروكا.
الأثاث: كان الأثاث المصري القديم بسيطًا بالنسبة لمعظم الناس، ويضم مقاعد منخفضة وأسرّة بسيطة، بينما استمتع الأثرياء بالكراسي والأسرّة المزخرفة ذات المظلات. غالبًا ما كانت أرجل الأثاث تحمل أشكالًا حيوانية. أما القطع الملكية، مثل تلك الموجودة في مقبرة توت عنخ آمون ، فكانت أكثر تعقيدًا مع تطعيمات وزخارف مطعّمة. وقد أثرت الزخارف المصرية، بما في ذلك أوراق اللوتس وشخصيات الحيوانات، على تصاميم الأثاث اليونانية الرومانية والإمبراطورية اللاحقة.
الخط: استخدمت مجموعة صغيرة من الأفراد المتعلمين الكتابة المصرية، بينما تطورت اللغة المنطوقة. ظهرت الهيروغليفية لأول مرة حوالي القرن الثاني والثلاثين قبل الميلاد، وتطورت إلى نظام رسمي بحلول عصر الدولة الوسطى ، يتكون من حوالي 900 رمز. استخدم هذا النظام الكتابي في النقوش الأثرية، واستمر خلال عصر الدولة الحديثة، والعصر المتأخر، والعصر الروماني، واستمر حتى القرن الرابع الميلادي.
العمارة الشعبية
الهياكل القديمة وتأثيراتها: تظهر المباني الشهيرة في مصر، مثل الأهرامات والمعابد والمقابر، براعةً في أعمال الحجر والهندسة. ولا تزال هذه الأشكال والزخارف تُشكّل العمارة الشعبية، حيث توجد رموز مثل الأهرامات وزهور اللوتس والهيروغليفية في المباني والحرف الريفية.
استخدام الطوب اللبن والطوب الطيني: استخدم المصريون القدماء الطوب اللبن في بناء المنازل والقصور، وهي ممارسة لا تزال قائمة في العمارة الشعبية. ولا يزال الطوب اللبن والطوب الطيني من المواد الشائعة نظرًا لقدرتهما على تنظيم درجة الحرارة، وهو أمر بالغ الأهمية لمناخ مصر الحار.
العمارة النوبية وتأثيرها القديم: ترتبط العمارة النوبية في جنوب مصر، التي تتميز بأسقفها المقببة وواجهاتها المطلية، بالتصميم المصري القديم. ولا يزال استخدام القباب والأقبية للحفاظ على برودة الأماكن الداخلية عنصرًا معماريًا أساسيًا.
الزخارف والفنون الجدارية: ترسم رموز مثل العنخ وعين حورس وورق البردي على جدران المنازل الشعبية، وخاصةً في القرى الريفية والنوبية. تحمل هذه التصاميم معاني وقائية، تعكس الفن والمعتقدات المصرية القديمة.
الأفنية والمساحات المفتوحة: كما هو الحال في المنازل المصرية القديمة، غالبًا ما تتضمن المنازل الشعبية الحديثة أفنية مركزية. تعزز هذه المساحات المفتوحة الأنشطة الجماعية وتوفر تهوية طبيعية، مُواصلة بذلك تقاليد التصميم التي تُركز على الراحة والتفاعل الاجتماعي.
إلهام المعابد والآثار: على نطاق أصغر، تستلهم بعض المباني المجتمعية والدينية في العمارة الشعبية إلهامها من المعابد والمسلات القديمة. تعكس تفاصيل الحجر المنحوت أو الجص، مثل الأعمدة، عظمة العمارة المصرية القديمة.
الرسم الشعبي
الصور الدينية والروحية: غالبًا ما تتضمن اللوحات الشعبية المصرية رموزًا ومشاهد دينية من الإسلام أو المسيحية، تعكس التقاليد الدينية المصرية. يمكن العثور على هذه الأعمال الفنية في المنازل والكنائس والمساجد، حيث تصور القديسين والأنبياء والآيات القرآنية.
الجداريات وفنون الشوارع: في القرى والبلدات، تصور الجداريات الأساطير المحلية والفولكلور والأحداث الحياتية المهمة، مثل حفلات الزفاف أو الحج. وكثيرًا ما يزين الحجاج العائدون منازلهم بجداريات نابضة بالحياة احتفالًا بعودتهم.
فن السرد الملون: تروي اللوحات الشعبية عادةً قصصًا من الحياة اليومية، والأنشطة الزراعية ، والمهرجانات . يتميز أسلوبها بألوان زاهية ونهج بسيط ومباشر، يُعطي الأولوية لسرد القصص على الواقعية التفصيلية.
فن البردي: تجسد اللوحات على ورق البردي مواضيع مصرية قديمة ، كالآلهة والإلهات والهيروغليفية. هذا الفن، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين السياح، يعكس تراث مصر العريق بأسلوب فني شعبي.
الأزياء الشعبية
الجلابية (الرداء التقليدي): الجلابية رداء فضفاض يصل إلى الكاحل، يرتديه الرجال والنساء على حد سواء، ويكثر ارتداؤه في المناطق الريفية. قد يكون سادة أو مزخرفًا بتطريزات ونقوش زاهية. غالبًا ما تتميز جلابية النساء بتصاميم ملونة على خط العنق والأكمام.
الاختلافات الإقليمية: في المنطقة العليا، تتكون الملابس المصرية التقليدية للنساء عادةً من فساتين طويلة داكنة مقترنة بمجوهرات فضية، في حين تشتهر النساء النوبيات بارتداء الفساتين ذات الألوان الزاهية وأغطية الرأس ذات التصاميم الهندسية.
الإكسسوارات التقليدية: غالبًا ما تزيّن الأزياء المصرية بأغطية الرأس، والحجابات، والمجوهرات المصنوعة يدويًا. الفضة، والخرز، والتمائم شائعة، وكل منها يحمل معانٍ تتعلق بالحماية، والرخاء، والروحانية.
الملابس الاحتفالية الريفية: في المناسبات الخاصة مثل حفلات الزفاف والمهرجانات الدينية، تصبح الأزياء أكثر تفصيلاً، وتتميز بالتطريز المعقد والترتر والأقمشة المنسوجة يدويًا، مما يسلط الضوء على التقاليد النسيجية في مصر.
الموسيقى والرقص الشعبي في مصر
الآلات الشعبية
الربابة: آلة موسيقية ذات وترين يتم العزف عليها بالقوس، وهي شائعة في موسيقى صعيد مصر والبدو.
العود: آلة موسيقية تشبه العود، ذات رقبة قصيرة وصوت عميق ورنان، تستخدم غالبًا في الموسيقى الشرق أوسطية والمصرية.
الناي: مزمار من القصب يصدر نغمة ناعمة متقطعة، يستخدم بكثرة في الموسيقى المصرية التقليدية والصوفية.
الطبلة (الداربوكة): طبلة كأسية، أساسية في الموسيقى الشعبية والرقص المصرية، وتوفر إيقاعات نشطة.
ساجات (صنج الأصابع): صنج صغير يستخدم في الرقصات الشعبية لإضافة إيقاع حاد معدني.
أنماط الرقص الشعبي
الرقص البلدي (رقص شرقي شعبي): رقص تقليدي بحركات أرضية عميقة، يؤديه عادةً النساء. يعد هذا الرقص الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حفلات الزفاف والمهرجانات، ويتضمن ارتجالات على أنغام الموسيقى الشعبية في مصر.
رقصة التنورة: رقصة روحية يؤديها رجال يرتدون تنانير ملونة تدور حول محورها. تعكس الرقصة مسار الروح نحو الاستنارة، مستوحاة من الممارسات الصوفية.
رقصة الصعيدي: أصلها من صعيد مصر، وتتميز هذه الرقصة المفعمة بالحيوية باستخدام عصا (التحطيب)، وترتبط بتقاليد الفنون القتالية. تحتفي هذه الرقصة بالقوة والفخر الثقافي.
الرقص النوبي: يتميز بالحركات السلسة والمتدفقة والأزياء النابضة بالحياة، ويركز الرقص النوبي على المجتمع والفرح ورواية القصص، مع تشكيلات المجموعة والتصفيق الإيقاعي.