تقارير

من طبيبة الي أخطر جاسوسة

حموده امين

تُعد قصة أمينة داوود المفتي واحدة من أغرب وأخطر قصص الجاسوسية في الشرق الأوسط، حيث تحولت من فتاة عربية مسلمة تنتمي إلى أسرة راقية في عمّان، إلى جاسوسة لصالح الموساد الإسرائيلي، كانت لها يد في تسريب معلومات أدت إلى سقوط قادة فلسطينيين بارزين.
النشأة والتحول
وُلدت أمينة عام 1939 في الأردن لعائلة شركسية ميسورة الحال. والدها كان من كبار تجار المجوهرات، وعمّها ضابط كبير في القصر الملكي. نشأت وسط أجواء من الانفتاح والتعليم، وسافرت إلى النمسا لدراسة علم النفس الطبي. هناك، التقت بالطيار الإسرائيلي موشيه بيراد، الذي غيّر مسار حياتها بالكامل.
تزوجت بيراد بعد أن اعتنقت اليهودية عام 1967، وانتقلت للعيش معه في إسرائيل، حيث انخرط في سلاح الجو الإسرائيلي. وفي عام 1973، خلال حرب أكتوبر، لقي بيراد مصرعه عندما أسقطت طائرته القوات السورية. هذا الحدث كان نقطة تحول في حياة أمينة، حيث قررت الانتقام لما اعتبرته “خسارة حياتها”.
التجنيد والعمل مع الموساد
بعد مقتل زوجها، تطوعت للعمل مع الموساد، وتم تدريبها على يد ضباط مخابرات محترفين. كانت الخطة أن تعود إلى لبنان تحت غطاء طبيبة متطوعة تعالج جرحى المقاومة، وهو ما نجحت فيه بامتياز. وصلت بيروت أواخر 1973، وبدأت تدريجياً تكتسب ثقة القيادات الفلسطينية، حتى حصلت على تصريح موقع من ياسر عرفات يسمح لها بالدخول إلى معظم المواقع والمقرات التابعة للفصائل.
استغلت أمينة هذا التصريح في جمع معلومات بالغة الأهمية عن تحركات القيادات وأماكن تخزين الأسلحة وخطط العمليات، وسرّبتها إلى الموساد، ما أدى إلى عمليات اغتيال وقصف دقيق لمواقع المقاومة.
السقوط
في عام 1975، شكّت بها إحدى قيادات فتح بعد رصدها تصرفات مريبة واتصالات مشبوهة. وبعد مراقبة دقيقة، تم القبض عليها في بيروت ونُقلت إلى جنوب لبنان. خضعت لتحقيقات قاسية، لكنها لم تُعدم، بل تم الاحتفاظ بها كورقة تفاوضية.
ظلت أسيرة لمدة خمس سنوات، وفي 1980، تمت مبادلتها مع أسيرين فلسطينيين في صفقة جرت عبر الصليب الأحمر في قبرص.
ما بعد الإفراج
بعد عودتها إلى إسرائيل، عاشت بهوية جديدة تحت اسم “الدكتورة روث نيسانوف”، وعملت في عدة مجالات، منها الطب النفسي، ثم الإدارة الفندقية. اختفت عن الأنظار لسنوات، حتى عادت لاحقًا إلى الأردن لزيارة عائلتها بعد اتفاقية السلام عام 1994. وتوفيت عام 2008 في عمّان، عن عمر ناهز 69 عامًا.
إرث مثير للجدل
أمينة المفتي لا تزال تُعتبر من أخطر النساء اللاتي جندهن الموساد، وقد تناولت قصتها العديد من الكتب والبرامج، من أبرزها كتاب “أشهر جاسوسة عربية للموساد” للكاتب فريد الفالوجي. تختلف الروايات حول تفاصيل كثيرة من حياتها، لكن المؤكد أنها شكّلت ضربة استخباراتية كبيرة لحركات المقاومة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى