“مستشفى الجذام بأبو زعبل.. الموت في صمت وجثث بروح تنتظر الرحمة”

كتب السيد عيد
بين أطلال النسيان وصدى الألم، تقع مستشفى الجذام بأبو زعبل، تلك المؤسسة الوحيدة في مصر التي لم تملك ثمن إعلان، ولم تسعَ لظهور إعلامي، لأن معاناتها وصرخات مرضاها لا تصل إلى أحد. داخل أسوارها الواسعة، يعيش عشرات المرضى المنسيين، يأكلهم المرض رويدًا رويدًا، ويقفون على حافة الحياة في انتظار كلمة حنان أو لقمة تسد جوعهم.
مستشفى الجذام بأبو زعبل، المعروفة تاريخيًا باسم “مستعمرة الجذام”، تُعد من أقدم المؤسسات الصحية في مصر التي خُصصت لعلاج مرضى الجذام، حيث أُنشئت عام 1933 على مساحة تقارب 2400 فدان. على مدار عقود، كانت المستشفى ملاذًا للمرضى الذين عانوا من العزلة الاجتماعية والوصمة المرتبطة بالمرض .
ثلاثة مبانٍ فقط: واحد للرجال، وآخر للسيدات، وثالث للعاملين. أما المرضى، فهم في حالة من الضعف والهزال والجوع، كأنهم “جثث بروح” على حد وصفه. بقايا بشر مهملة، منسية، منبوذة، يلتهمهم الجوع قبل أن يفتك المرض بأجسادهم.
مع تطور العلاجات، أصبح الجذام مرضًا يمكن الشفاء منه، مما أدى إلى تراجع الحاجة لعزل المرضى. في عام 2023، أوصت لجنة الصحة بمجلس النواب بإلغاء مصطلح “مستعمرة” من اسم المؤسسة، معتبرة أن العزلة لم تعد ضرورية، ودعت إلى إعادة تأهيل المرضى ودمجهم في المجتمع .
رغم التحسن في النظرة الطبية، لا يزال العديد من المرضى يفضلون البقاء في المستشفى بسبب التهميش الاجتماعي. تشير التقارير إلى أن المستشفى تأوي حوالي 355 مريضًا، معظمهم من كبار السن الذين عاشوا فيها لعقود . كما تواجه المستشفى تحديات مالية، حيث أُشير مؤخرًا إلى نقص في الموارد الأساسية، مما يؤثر على جودة الرعاية المقدمة .
تُعد مستشفى الجذام بأبو زعبل شاهدًا على تاريخ طويل من التحديات والنجاحات في مكافحة مرض الجذام. ومع استمرار الجهود لتحسين أوضاع المرضى ودمجهم في المجتمع، تظل الحاجة ملحة لمزيد من الدعم والتوعية للقضاء على الوصمة المرتبطة بالمرض وضمان حياة كريمة للمتعافين.
حتى تاريخ اليوم، لم يتم تنفيذ قرار رسمي بإلغاء كلمة “مستعمرة” من اسم “مستعمرة الجذام” بأبو زعبل. في مايو 2023، أوصت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب المصري بإلغاء هذا المصطلح من المسمى الرسمي للمؤسسة، معتبرة أنه لم يعد مناسبًا في ظل التقدم الطبي وتغير النظرة الاجتماعية لمرض الجذام .
بالرغم من هذه التوصيات، لم يُلغَ استخدام مصطلح “مستعمرة” في الاسم الرسمي للمستشفى حتى الآن. كما لم يُعلن عن تغيير رسمي في الوثائق أو اللوحات التعريفية الخاصة بالمؤسسة.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لإلغاء القانون رقم 131 لسنة 1946 بشأن مكافحة الجذام، والذي كان ينص على عزل المرضى في مستعمرات خاصة. هذا المشروع مازال قيد المناقشة في مجلس النواب، ولم يتم إقراره بشكل نهائي حتى الآن.
بالتالي، يظل استخدام مصطلح “مستعمرة” قائمًا في المسمى الرسمي للمؤسسة، في انتظار صدور قرارات تنفيذية أو تشريعية تُلغي هذا المصطلح رسميًا.
ليس المطلوب هنا حملة إعلامية ضخمة، بل فعل بسيط من كل إنسان لديه ضمير. كيس مكرونة، علبة فول، قطعة لحم، أو حتى كلمة طيبة. هؤلاء بشر قبل أن يكونوا مرضى، ولهم حق علينا جميعًا. فالمجتمع يمكنه أن يكون أذنًا وقلبًا، يدًا تمتد إليهم، وقلبًا يحنّ عليهم.
من يزور المستشفى ولو مرة، سيعود إنسانًا آخر.. وربما يشمّ رائحة الجنة.