ولاد .. أولاد حارتنا جــــ٢ــ

بقلم / على شعـــلان .
والوسوسة الإنسانیة تتعالى، وما نلبث بالإنفجار مذعورین حتى تتقلص الدائرة أكثر فأكثر، وتتوالى الأمھات ؛ آخذین أبناءھم وبناتھم حتى یتبقى ( منصور، حمص ویامن ) . وفى نفسٍ واحد_نحنُ الثلاث _ نسب الدھور والأمكنة والأزمنة والضجر كل ضجر ضد ھذا الرب، الذي هو في السماء ولا یُحبنا . وما أن یُراق دمنا جفافاً؛ حتى یأخذ الأمھات شركائي وهم “حمص” و “یامن” بالویل والتنكیل . أینعم بالترھیب!. لكن على ھذا الأقل وجدوا أمھات تنتشلھم من ھذا الوحل في الرمق الأخیر .
وفي نھایة الأمر تنفجر عیناى سخطة على حالى، وحالى بالدائرة لحالى فقط، فتصعب علیا نفسى؛ إنتظاراً أن تُنقذني أمى العجوزة الشمطاء. لكن لا تبالي بي ولا ترانِ من الأساس،
فأقعد فى ھذا الوحل وحيداً ،وأكون حزيناً مختنقا..(فأسُبَّ أمي!) .
تمر الأیام والسنون القلیلة ، وسجال الخناقات
والشجار دوماً حاضراً بین إخوتى الكبار وجیراننا وأبناءھم في البیوت المجاورة على بضائعھم في السوق، وصراع على حدود
السیطرة على مساحات كافیة من أراضي التسوق؛ تأمیناً على مخازنھم من الغلال والأغذیة .
في السابق كنت أمقِتُ أمي بشدة على
تحریضھا، وحث إخوتى على الخناق الذي یحتدم إلى حد القتال. یُمعن النظر عندى أن المتسبب في ھذا الخلاف القائم ، ھي سوقیة
وعشوائیة وھمجیة إخواتي في التجارة كھمجیة الحیونات البشریة أو سلوك حیوانات بشریة بالفطرة (كما صنفھم أحد فتوات الحارة!) ، والذي بدوره یؤثر سلباً على جیراننا البائعین الأتقیاء الأنقياء.
المدیر الفعلي لھذا الشد والجذب ھي الأم الفاضلة ، بفضل توجیھاتھا الحمقاء ، ونزاعاتھا كنزاع الحموات مع نسوة الحارة من ملاسنات وكید ((رداحات المصاطب)) . أعتقد كل ھذا ھو سبب فقرنا المدقع الذي نعیشھ.
أم قعیدة لا تھتم بى ولا بأخواتي؛ فلا تبالى إلا لتحریضھم على جر الشكل والخناق ، والذي أعتقد أیضاً أن الغباء الواصل من رأسھم إلى أخمص قدمھم ھو السبب في ذلك التخبط لأسرتنا ، وحق شرعى مكتمل الأركان لأحبائى الجیران في الدفاع عن أنفسهم وعن تجارتھم مھما إقترفوا من أفعال غیر آدمیة موحشة !.
لم یصبرنى كل ھذا العناء لأسرتي إلا الذھاب إلى صوت العقل أخى ( سفیان) . رجل رائع وھادئ، دائماً في حالھ ، یذھب إلى عملھ بالجامعة ثم یعود إلى بیتھ وھو السكن المجاور لسكننا مع زوجتھ و أبنائھ.
(( فلیس لھُ لا فى الثور ولا فى الطحین )).
لا یُشارك في تجارة إخوتھ ولا یعترى إھتماماً للخناقات، ولا یكترث إلى مشاحنات والدتھ . رجل أكادیمي یحب السلام، ویعیش فى
سلام، ویبحث في السلام، وأبحاثھُ العلمیة عن حیاة بشریة تعمھا الإزدھار والسلام، بل رقم سكنھ لیس لھُ رقم (للإستدلال علي
موقعھِ في الحي) بل ھو رمز ، وھو رمز حمامة السلام مع الجميع؟! .
نعم الأخ أنت ، نعم صوت العقل أنت ! .
فھدأ من روعي حین تحصلت عنده على شراب طازج من البرتقال الیافي اللذیذ لكنھ مستورد من فكھاني حارتنا الشھیر عم”شمشون “. وما أن تحصلت على رشفات من الكوب حتى إطمئن قلبي و استنار عقلى و إسترجعت ذكریات لإحدى الخناقات العصیبة الكبیرة وقد انتصر فیھا_ظاھریاً_ عزوتي .
ثم ما ھدأ السجال قلیلاً حتى عاد أحبابي، وهم جیراننا المنافسین بشكل أشرس وأكثر قوة لتفتك بإخواتى جمیعا وكأننا “بحلبة تكسیر العظام ” عظامنا نحنُ !! .
وقد لاحظت ملاحظة مریبة أن مجموعة من جیراننا والذى شاركوا فى ھذه الخناقة الكبرى لم یأتوا ؛لیبتدروا بأخذ حقھم المصون والتي دارت المعركة على أرضھم هم.
وھم تحدیدا المجموعة قاطنى سكن حى یُسمى حى “غلاف الحارة ” ، وتقبع على حدود السوق الذى دار المعركة بینھم وبین أسرتي .
ولا أعلم، لماذا ھؤلاء لم یشاركوا في الجولة الثانیة من الخناقة؛ حتى یبطشوا بحقھم بطشاً وھذا حقھم وأنا معھم تماماً .
على النقیض فإن عزوتي یعودوا إلى دیارھم؛ ليتطببوا ثم یرجعوا ؛ لیستأنفوا الخناقات ثم یُواصلوا العمل ومهما تنكلوا تنكیلاً، فإنهم یصدوا ضربات منافسیھم صداً، والتشدد في التمسك بأرضھم باعتزاز وشموخ .
الغریب أنِّي سمعت إشاعة_لا أعلم صحتھا_عن رفض ھؤلاء المنافسین”سكان حي الغلاف” من إستئناف العراك، بل طال خوفھم العودة من الأساس إلى مسكنھم مرة أخرى. ھل یخشون رؤیة الحیونات البشریة ” أقصد إخواني مرةٌ أخرى ؟!” .
حيثُ قالوا لبني جلدتھم : (( إذھبوا أنتم وأسلحتكم للخناقة؛خذوا حقنا، فاقتلوھم تقتیلاً. إنَّا ھا ھُنا قاعدون )) .
ھذا مسكنكم أفلا تُدافعون؟ ، ألیست أرضكم ؟، ألیس فیكم رجل شجاع لا یھاب خوض الشجار؟ . وھل ینتھى الشجار ما دامت الحقوق مُلتبسة !.