الأسرة والطفل

نظرية التعلم البنائية: كيف يبني الطفل ثقته بنفسه ؟

 

 

كتبت/ سالي جابر 

أخصائية نفسية

 

نظرية التعلم البنائية (Constructivism) هي واحدة من أبرز النظريات التربوية والنفسية الحديثة، وتُعد من النظريات التي غيّرت طريقة التفكير في كيفية تعلم الإنسان. تقوم هذه النظرية على أن المتعلم يبني معرفته بنفسه من خلال تفاعله مع البيئة، وليس متلقيًا سلبيًا للمعلومات.

تعريف نظرية التعلم البنائية:

هي نظرية ترى أن التعلم لا يحدث من خلال التلقين أو الحفظ، بل من خلال نشاط المتعلم الذاتي، أي أنه يقوم ببناء المعرفة اعتمادًا على خبراته السابقة وتفاعله مع المواقف التعليمية الجديدة.

– أشهر روّاد النظرية البنائية:

(1) جان بياجيه (Jean Piaget):

ركز على المراحل العمرية لنمو التفكير.

يرى أن الطفل يبني معرفته من خلال التفاعل النشط مع العالم المحيط.

(2) ليف فيغوتسكي (Lev Vygotsky):

أضاف البعد الاجتماعي للتعلم.

طرح مفهوم “منطقة النمو القريبة” ZPD، وهي الفجوة بين ما يستطيع المتعلم فعله بمفرده وما يستطيع فعله بمساعدة.

مبادئ نظرية التعلم البنائية:

1- المعرفة تبنى ولا تُنقل جاهزة.

2- الخبرات السابقة تؤثر على التعلم الجديد.

3- التعلم يحدث عندما يكون ذا معنى ومرتبطًا بالسياق.

4- اللغة والتفاعل الاجتماعي عاملان مهمان في بناء المعرفة.

5- التعلم الحقيقي يتطلب نشاطًا ذاتيًا من المتعلم.

– دور المعلم في التعلم البنائي:

 

. مُيسّر وليس مُلقّن.

. يصمم مواقف تعليمية محفّزة للتفكير والاستكشاف.

. يطرح أسئلة مفتوحة تنمّي التفكير النقدي.

. يتيح فرصًا للنقاش والعمل الجماعي.

 

– تطبيقات عملية للبنائية في التعليم:

 

. استخدام المشكلات الحقيقية كمحفز للتعلم.

. اعتماد التعلم التعاوني والمشاريع.

. تشجيع المتعلم على شرح أفكاره والتعبير عنها.

. دمج التقويم البنائي (مثل ملفات الإنجاز، والمناقشات).

 

– الفرق بين التعلم البنائي والتعلم التقليدي:

 

. التعلم البنائي:

 

دور الطالب: نشط، يبني معرفته بنفسه.

 

دور المعلم ميسر وداعم .

 

طريقة التعلم: بالاكتشاف والاستقصاء .

 

تقييم الأداء: مستمر ووصفي .

 

. التعلم التقليدي:

 

دور الطالب سلبي، يتلقى المعلومات.

 

دور المعلم: ملقن، مصدر للمعرفة .

 

طريقة التعلم: بالحفظ والتلقين

 

تقييم الأداء: اختبارات نهائية.

 

مثال تطبيقي:

في درس العلوم حول “دورة الماء”، لا يُقدَّم المحتوى جاهزًا، بل يُطلب من الطلاب رصد الظواهر (مثل تكوّن البخار، سقوط المطر)، ثم طرح تفسيراتهم ومناقشتها، ليصلوا إلى المفهوم العلمي بأنفسهم.

دور المعلم في عملية التعلم البنائي:

1- مُيسّر وداعم للتعلم لا ناقل للمعلومة.

2- يطرح أسئلة مفتوحة تحفز التفكير والاستكشاف.

3- يشجع الطلاب على التجريب والملاحظة والاستنتاج.

4- يربط الدروس بخبرات الطلاب الشخصية وحياتهم اليومية.

5- يخلق بيئة تعلم تعاونية وتشاركية.

6- يستخدم وسائل متعددة (صور – قصص – ألعاب – أدوات حسية).

7- يقدم تغذية راجعة بنّاءة تساعد المتعلم على تعديل فهمه.

8- لا يصحح الأخطاء فورًا، بل يسمح للطالب أن يكتشف الصواب بنفسه.

 

دور الأخصائي (النفسي / التربوي / سلوكي / نطق…):

1- يحلل شخصية الطفل ونمط تعلمه ونقاط قوته وضعفه.

2- يصمم برامج دعم فردية تناسب كل متعلم.

3- يهيّئ بيئة نفسية داعمة للتعلم الخالي من الضغط والخوف.

4- يدرّب الطفل على مهارات التفكير والانتباه والتنظيم الذاتي.

5- يساعد المعلم على تعديل استراتيجياته لتناسب احتياجات الطلاب.

6- يعمل مع الأسرة والمدرسة كـحلقة وصل لضمان تكامل الجهود.

7- يقدم جلسات علاجية/تربوية تعزز من قدرة الطفل على التعلم.

دور الأهل في عملية التعلم البنائي:

1- تشجيع الفضول وحب المعرفة في البيت (سؤال، تجربة، حوار).

 

2- احترام أفكار الطفل حتى لو كانت غير دقيقة، ودعمه ليستكشف الصواب.

 

3- خلق بيئة منزلية محفزة: قصص، أدوات، أنشطة تعليمية، ألعاب ذهنية.

 

4- الاستماع الفعال والتفاعل مع أفكار الطفل وتساؤلاته.

 

5-دعم المدرسة والتواصل المستمر مع المعلم/الأخصائي.

 

6- التركيز على الجهد لا النتيجة (“أعجبني كيف حاولت تحلها” بدل “كويس إنك جبت الدرجة النهائية”).

 

7- تعليم الطفل التفكير النقدي (ليه؟ كيف؟ إيه رأيك؟).

 

مثال تطبيقي مشترك:

 

في موضوع “الأشكال الهندسية” لطفل في سن 5 سنوات:

 

– المعلم: يقدم أشكالًا ملموسة ويطلب من الطفل تصنيفها حسب أوجهها أو زواياها.

– الأخصائي: يلاحظ إن الطفل يجد صعوبة في التمييز البصري، فيصمم تمارين خاصة.

الأهل: يلعبون مع الطفل في البيت بلعبة مطابقة الأشكال أو يصنعون أشكالًا من العجين معًا.

لكي ننجح في إعداد خطة فعّالة تدعم الطفل وتُحقق له التقدم، لابد من:

-التكاتف والتعاون بين جميع الأطراف (المعلم، الأخصائي، الأهل).

– المشاركة الجادة في وضع الخطة وفقًا لاحتياجات الطفل الفردية.

– العمل المشترك على تنفيذها بدقة وثبات.

-الاستمرارية والمتابعة المنتظمة لتقييم التقدم وتعديل الخطة إذا لزم الأمر.

نجاح الطفل ليس مسؤولية فرد، بل ثمرة جهود جماعية مستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى