جدل في العراق: هل إلغاء الحبر الانتخابي خطوة نحو الشفافية أم التلاعب؟

د. إيمان بشير ابوكبدة
أثار قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بإلغاء استخدام الحبر الانتخابي في الانتخابات المقبلة جدلاً واسعاً، بين مؤيد يرى فيه تحديثاً للإجراءات وتقليلاً للتكاليف، ومعارض يخشى أن يفتح الباب أمام التزوير، خاصة في ظل المناخ السياسي المشحون.
دوافع القرار: تفادي المضايقات أم تحديث تقني؟
كشف مصدر مطلع داخل المفوضية أن السبب الرئيسي وراء إلغاء الحبر ليس تقنياً بحتاً، كما أُعلن رسمياً، بل جاء تحسباً من مضايقات واستهداف قد يتعرض لها المشاركون في بعض الدوائر ذات الحساسية السياسية. وأوضح المصدر أن بعض الناخبين تعرضوا للسخرية أو التنمر أو حتى التهديد بعد خروجهم من مراكز الاقتراع بسبب ظهور أثر الحبر على أصابعهم، مما دفع المفوضية لمراجعة هذا الإجراء.
ووفقاً للمصدر، اختارت المفوضية تمرير القرار تحت غطاء تقني وإداري، معلنةً أن التطور في استخدام البطاقة البايومترية يغني عن الحاجة للحبر. لكن الحقيقة، كما أشار المصدر، أن “المناخ الانتخابي المشحون، وتاريخ الخلاف بين أنصار القوى السياسية، كان له دور أساسي في إعادة النظر بوسائل التعريف المادية بالناخب”.
من جانبها، أكدت المفوضية على لسان عضو فريقها الإعلامي، مهند الصراف، أن الحبر لم يعد ضرورياً بعد اعتماد البطاقة البايومترية التي تعتمد على المطابقة الثلاثية لبصمة الوجه والعين والأصابع. وأشار الصراف إلى أن الحبر الانتخابي مادة كيميائية مكلفة وتحتاج إلى ترتيبات لوجستية خاصة، ولا تتماشى مع طبيعة التصويت الإلكتروني الحديث.
رفض تركماني ومخاوف من التزوير
لم يلقَ قرار إلغاء الحبر ترحيباً من الجميع، فقد أبدت الجبهة التركمانية رفضها الشديد، معتبرةً أن إلغاء الحبر “يفتح الباب أمام التزوير، خاصة في المناطق المختلطة مثل كركوك”. وطالبت الجبهة باستثناء المحافظة من القرار، مهددةً باللجوء إلى القضاء في حال عدم تراجع المفوضية.
وأوضح نائب رئيس الحركة القومية التركمانية، عباس أوغلو، أن “المبررات التقنية غير كافية، والمفوضية مطالبة بإثبات أن أجهزتها غير قابلة للاختراق”، مشيراً إلى أن “ما جرى في انتخابات 2018 و2021 من خروقات وتعطّل للأجهزة، يجعل أي قرار بتقليل أدوات الرقابة محل تشكيك”.
تجارب سابقة وتحديات مقبلة
سبق أن شكا نواب ومرشحون من تعرض جمهورهم لمضايقات متكررة خلال الانتخابات المحلية 2023، خاصة في المناطق التي تُعد تقليدياً حواضن انتخابية للتيار الصدري، الذي يقاطع الانتخابات المقبلة. وقد واجه ناخبون حملات ترهيب لفظي أو سخرية علنية بسبب مشاركتهم، خصوصاً عندما يُميَّزون بسهولة من خلال الحبر الانتخابي على أصابعهم.
ويعتقد الخبير في الشأن الانتخابي هوكر جتو أن “إلغاء الحبر الانتخابي خطوة سليمة من حيث المبدأ؛ لأن الغاية الأساسية منه كانت منع تكرار التصويت، وهذه الوظيفة باتت مؤمنة بالكامل عبر البطاقة البايومترية التي لا تسمح لأي ناخب بالتصويت أكثر من مرة”. وأضاف جتو أن القرار يقلل من استخدام المواد الحساسة ويوفر الوقت، ويمنح خصوصية أكبر لبعض الفئات مثل العسكريين أو منتسبي الأجهزة الأمنية.
من المتوقع أن تشهد الانتخابات العامة المقبلة في 11 نوفمبر 2025 أول تطبيق شامل لنظام التصويت البايومتري الكامل، وسط جدل متجدد حول آليات الشفافية والنزاهة، خاصة مع استمرار التوتر السياسي ومقاطعة بعض الكتل للسباق الانتخابي.