كتب : جمال حشاد
تُعد عادة الأخذ بالثأر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي ما زالت تنخر في جسد المجتمعات الريفية في صعيد مصر. ورغم التطور الحضاري والقانوني الذي شهدته البلاد، لا تزال هذه العادة تنبض في بعض القرى والنجوع، مكرّسةً لفكرٍ عقيم قائم على الانتقام والدم، بدلاً من العدالة والصفح.
جذور الثأر: الموروث لا المنطق: ترجع جذور الثأر إلى عصور الجاهلية، حين كانت القوانين غائبة، فكان الإنسان مضطرًا لحماية كرامته وحقوقه بيده. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذا الموروث ما زال حاضرًا بقوة في الصعيد، رغم وجود مؤسسات قانونية وقضائية فعالة. يُلقَّن الأبناء منذ صغرهم أن “العار لا يُغسل إلا بالدم”، وتُزرع فيهم مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام حتى دون فهم حقيقي لما حدث أو مَن بدأ الصراع.
النتائج الكارثية للثأر: إن الأخذ بالثأر لا يجلب العدالة، بل يفتح أبوابًا لا تُغلق من العنف والدمار. فهو يؤدي إلى: * سقوط ضحايا أبرياء: في كثير من الحالات يُقتل الأبرياء بدلاً من الجناة الحقيقيين، بدعوى “رد الشرف”.
تعطيل التنمية: تعيش القرى المتأثرة بالثأر في حالة من التوتر الدائم، ما يعوق التعليم والعمل والاستثمار.
تمزيق النسيج الاجتماعي: تتحول العائلات إلى جزر معزولة تتبادل الحقد والقتل بدلًا من التعايش السلمي.
الثأر وتناقضه مع القيم الدينية: إن الإسلام، الذي يتمسك به أهل الصعيد، حرَّم القتل إلا بالحق، ودعا إلى العفو والتسامح، وفضَّل الصلح بين الناس. يقول الله تعالى:
“وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” [الشورى: 40].
لكن الفكر السائد لدى بعض العائلات لا يعكس هذه القيم، بل يستخدم الدين أحيانًا لتبرير الثأر، في تشويه صارخ لتعاليمه.
الحلول الممكنة:
تعزيز دور الدولة والقانون: بتوفير العدالة السريعة والناجزة، واستعادة ثقة المواطنين في القضاء.
التوعية المجتمعية والدينية: عبر المساجد، المدارس، والمجالس العرفية، لتصحيح المفاهيم الخاطئة.
دعم جهود المصالحات: بتشجيع جلسات الصلح القبلية تحت إشراف قانوني وديني رشيد.
تمكين الشباب والمرأة: لأنهم أقل تشبعًا بثقافة الثأر، ويمكن أن يكونوا أدوات تغيير حقيقية داخل مجتمعاتهم.
وخلاصة الرأى: إن الأخذ بالثأر ليس شجاعة، بل جريمة مضاعفة في حق الفرد والمجتمع. وهو فكر فاسد يتغذى على الجهل والعصبية، ويجب اقتلاعه من جذوره. وحده القانون، والعقل، والدين الصحيح، قادر على وضع حد لهذه الظاهرة، وبناء مجتمع صعيدي جديد، تسوده العدالة والسلام.

1 تعليق
مقال مفيد من كاتب ذو رأى حر ومفكر