كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
الكحول، ذلك السائل الذي يبدو للبعض مجرد وسيلة للاسترخاء والاحتفال، هو في حقيقته سم بطيء المفعول يفتك بصحة الفرد، ويقوض استقرار الأسرة، ويدمر نسيج المجتمع بأسره. إن إدمان الكحول ليس مجرد عادة سيئة، بل هو مرض مزمن وشديد التعقيد، ويترك آثاراً سلبية عميقة على صحته الجسدية والنفسية، وعلى علاقته مع المجتمع.
أضرار إدمان الكحول على صحة الفرد
الأضرار الجسدية
تلف الكبد: يُعد الكبد العضو الأكثر تضرراً من تعاطي الكحول، حيث يؤدي إلى تليف الكبد، الذي قد يتطور إلى فشل كبدي.
أمراض القلب والأوعية الدموية: يزيد إدمان الكحول من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، واعتلال عضلة القلب، والسكتات الدماغية.
التهاب البنكرياس: يؤدي الكحول إلى التهاب البنكرياس، مما يسبب آلاماً شديدة في البطن، وقد يتسبب في فشل البنكرياس.
تلف الجهاز العصبي: يؤثر الكحول على الجهاز العصبي المركزي، مما يسبب اضطرابات في الذاكرة، والتركيز، والتوازن، وقد يتطور الأمر إلى اعتلال الأعصاب الطرفية.
ضعف الجهاز المناعي: يُضعف الكحول الجهاز المناعي، مما يجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والأمراض.
سوء التغذية: يعاني مدمنو الكحول من سوء التغذية، حيث يؤثر الكحول على امتصاص الفيتامينات والمعادن الضرورية.
زيادة خطر الإصابة بالسرطان: يزيد إدمان الكحول من خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، مثل سرطان الفم، والمريء، والكبد، والثدي.
الأضرار النفسية والعقلية
الاكتئاب والقلق: يرتبط إدمان الكحول ارتباطاً وثيقاً بالاكتئاب والقلق، وقد يؤدي إلى تفاقم هذه الحالات.
اضطرابات النوم: يعاني مدمنو الكحول من اضطرابات في النوم، مثل الأرق، مما يؤثر على صحتهم العامة.
الاضطرابات الذهانية: قد يؤدي الإفراط في تعاطي الكحول إلى اضطرابات ذهانية، مثل الهلوسة والوهم.
العدوانية والعنف: قد يزيد الكحول من العدوانية والعنف، مما يسبب مشاكل في العلاقات الشخصية والاجتماعية.
ضعف الذاكرة والتركيز: يؤثر الكحول على وظائف الدماغ، مما يسبب ضعفاً في الذاكرة والتركيز، وقد يؤدي إلى متلازمة كورساكوف.
أضرار إدمان الكحول على المجتمع
الحوادث المرورية: يُعد إدمان الكحول أحد الأسباب الرئيسية للحوادث المرورية، مما يتسبب في وفيات وإصابات خطيرة.
الجريمة والعنف: يرتبط إدمان الكحول بزيادة معدلات الجريمة والعنف، مثل الاعتداءات، والسرقات، والاعتداءات الجنسية.
الاضطرابات الأسرية: يؤدي إدمان الكحول إلى اضطرابات أسرية، مثل العنف الأسري، والطلاق، وتفكك العلاقات.
المشاكل الاقتصادية: يُسبب إدمان الكحول خسائر اقتصادية كبيرة، مثل تكاليف الرعاية الصحية، وخسارة الإنتاجية، وتكاليف مكافحة الجريمة.
المشاكل الإجتماعية: يؤدي إدمان الكحول إلى مشاكل اجتماعية، مثل البطالة، والتشرد، وتدني مستوى التعليم.
موقف الإسلام: حماية من الأذى
تحريم الكحول في الإسلام ليس مجرد حكم ديني، بل هو حماية شاملة للفرد والمجتمع من أضراره الجسيمة. لقد وصف القرآن الكريم الخمر بأنها “رجس من عمل الشيطان”، وأمر باجتنابها، لكونها سبباً في العداوة والبغضاء، وصدّاً عن ذكر الله والصلاة. كما أن السنة النبوية أكدت أن “كل مسكر حرام”، مما يؤكد على أن الحكمة من التحريم هي الحفاظ على العقل، والنفس، والمال، والأمن الاجتماعي.
في الختام، إن الكحول ليس مشروباً عادياً، بل هو مادة سامة تحمل في طياتها التدمير على جميع المستويات. إن مواجهة هذه الآفة تتطلب تضافر الجهود من الأفراد، والأسر، والمجتمع بأسره، من خلال التوعية بأخطاره، وتقديم الدعم النفسي والعلاجي للمدمنين، لإنقاذ الأرواح وبناء مجتمع أكثر صحة واستقراراً.
نصائح للمدمن وأسرته
للمدمن: الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوة. لا تتردد في طلب المساعدة الطبية والنفسية. كن صبوراً على نفسك، فالانتكاسة جزء من العملية، والمهم هو العودة إلى المسار الصحيح.
للأسرة والأصدقاء: لا تلقوا باللوم على المدمن، بل قدموا له الدعم والتشجيع. ابحثوا عن مجموعات دعم خاصة بالأسر التي تعاني من هذه المشكلة، وتعلموا كيفية التعامل مع المريض بطريقة إيجابية. تذكروا أن المريض يحتاج إلى مساعدة مهنية، لا مجرد نصائح شخصية.
