نجده محمد رضا
يُعد منجم مير للماس، أو كما يُعرف بـ”حفرة ميرني”، واحدًا من أضخم المناجم المفتوحة على سطح الأرض، حيث يُشبه فوهة بركان عملاق نُحتت في قلب سيبيريا الشرقية.
بدأ العمل فيه عام 1955 بعد اكتشاف رواسب ضخمة من الماس في المنطقة، ليصبح لاحقًا أحد أعمدة صناعة الماس الروسية ومصدرًا استراتيجيًا لدعم الاقتصاد السوفيتي في ذلك الوقت.
يبلغ قطر الحفرة حوالي 1,200 متر وعمقها يقارب 525 مترًا، مما يجعلها من أعمق وأوسع الحفر المفتوحة التي صنعها الإنسان.
المشهد من الأعلى أشبه بجرح هائل في الأرض يبتلع كل ما حوله، حتى أن الطائرات المدنية مُنعت من التحليق فوقه خوفًا من التيارات الهوائية التي قد تجذبها إلى الداخل.
في ذروة نشاطه، كان المنجم يُنتج نحو 10 ملايين قيراط من الماس سنويًا، وهو ما وضع الاتحاد السوفيتي وقتها على خريطة القوى المسيطرة على تجارة الماس عالميًا. كثير من هذه الأحجار كانت تُستخدم ليس فقط في الزينة، بل أيضًا في التطبيقات الصناعية والعسكرية، وهو ما زاد من أهميته الاستراتيجية.
لكن مع بداية التسعينيات تراجع إنتاج المنجم، إلى أن تم إغلاقه عام 2001 بعد أن استُنزفت موارده السطحية، قبل أن يُعاد فتحه جزئيًا في 2009 باستخدام تقنيات التعدين تحت الأرض.
ومع ذلك، فإن ذكرى “الجرح السيبيري” لا تزال ماثلة للعيان، شاهدة على مغامرة بشرية جمعت بين الطموح والخطر.
اليوم، أصبح منجم مير معلمًا جيولوجيًا وسياحيًا مثيرًا للدهشة، يجذب أنظار الزوار والباحثين من مختلف أنحاء العالم، كرمز على قدرة الإنسان على تحدي الطبيعة من أجل الحصول على كنوزها الدفينة.
مخاطر تحت الأرض وحوادث دامية
رغم قيمة منجم مير الاقتصادية، إلا أن العمل بداخله لم يكن خاليًا من المخاطر.
فالتعدين في أعماق تصل إلى مئات الأمتار يعني بيئة مليئة بالتحديات انهيارات مفاجئة، غازات سامة، ومعدات ثقيلة تعمل في ظروف قاسية من البرد السيبيري القارس.
في أغسطس 2017، شهد المنجم واحدة من أخطر الحوادث في تاريخه حين انهار جزء من الأنفاق تحت الأرض، مما أدى إلى محاصرة عشرات العمال.
ورغم نجاح فرق الإنقاذ في إخراج أغلبهم، إلا أن الحادثة أودت بحياة بعض العمال وأعادت إلى الواجهة سؤال الأمان في هذا الكنز العملاق.
الحكومة الروسية وشركة “ألروسا” المشغّلة للمنجم أعلنتا بعدها عن خطط لتعزيز معايير السلامة وتحديث البنية التحتية، لكن كثير من الخبراء ما زالوا يحذرون من أن الطبيعة العدائية للمكان تجعل أي نشاط تعدين فيه مخاطرة دائمة.
