د.نادي شلقامي
‘الترياق المسموم’ :في سباق محموم نحو المستقبل، برز الذكاء الاصطناعي (AI) كـ “ترياق سحري” وُعد بإنهاء أعتى مشكلات البشرية، من تحديات المناخ إلى تعقيدات الرعاية الصحية. لقد أصبح هذا الكيان الرقمي أملنا الأعظم، يوفر حلولاً فورية تلامس الخيال العلمي. ولكن خلف هذا البريق الساحر الذي يحل المعضلات القائمة، يكمن وجه آخر مظلم وخطير. إن هذا “الترياق” يحمل في طياته سموماً خفية تهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي وإحداث ضرر غير مسبوق، خاصة على الفئات العمرية الهشة، من الأطفال الذين يفقدون مهارات التعلم الأساسية، إلى كبار السن المعرضين للعزلة التامة والإقصاء الرقمي.
إن التباهي بـ “قوة الحل” لا يجب أن يعمينا عن “قسوة الأثر”.
أولا….عناصر القوة الإيجابية للذكاء الاصطناعي :
1- ثورة في الرعاية الصحية:
تسريع اكتشاف الأدوية، التشخيص المبكر للأمراض (خاصة الأورام)، والجراحة الدقيقة.
2- كفاءة الإنتاجية: أتمام المهام الروتينية الشاقة، مما يحرر البشر للإبداع والعمل الأكثر تعقيدًا وقيمة.
3- التعليم الشخصي: توفير مسارات تعليمية مُكيّفة فرديًا، تُحسن استيعاب الطالب وتُعالج نقاط ضعفه بفعالية.
4- حلول بيئية: تحليل البيانات الضخمة للمساهمة في إدارة الطاقة، التنبؤ بالكوارث الطبيعية، ومكافحة التلوث.
ثانيا…التأثير السلبي للذكاء الصناعي علي البشر بمختلف فئاتهم العمرية.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي (AI) يمثل ثورة تكنولوجية ذات فوائد عظيمة، ولكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف جدية بشأن تأثيره السلبي المحتمل على العقول البشرية ومهارات التفكير، خصوصًا مع تزايد الاعتماد المفرط عليه.
إليك تفصيل دقيق لأبرز مساوئ الذكاء الاصطناعي على القدرات العقلية لدى مختلف الفئات العمرية (الأطفال، الشباب، كبار السن):
أولا…المساوئ العامة للذكاء الاصطناعي على القدرات العقلية..
الخطر الأكبر يكمن في تحول العقل البشري إلى عقل “معطل” أو “كسول” نتيجة الاعتماد الكلي والمفرط على الأنظمة الذكية لإنجاز المهام المعرفية.
1. إضعاف المهارات المعرفية الأساسية
الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لحل المشكلات المعقدة أو البحث عن المعلومات دون بذل جهد عقلي يؤدي إلى ضمور تدريجي في القدرات الأساسية التي تميز التفكير البشري:
أ- تدهور التفكير النقدي: عندما يقدم الذكاء الاصطناعي الإجابات والتحليلات جاهزة، يقلل ذلك من الحاجة إلى التحليل، والتقييم، والاشتباه في مصداقية المعلومات، مما يؤدي إلى “قتل” التفكير النقدي.
ب-ضعف مهارات حل المشكلات: إذا أصبحت الآلات هي التي تتولى حل المشكلات المعقدة والروتينية، فإن الإنسان يفقد فرصة للتدريب العقلي اللازم لتطوير هذه المهارات بشكل ذاتي.
ج- تآكل الذاكرة والتعلم الذاتي: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتذكر المعلومات أو استرجاعها مباشرة قد يضعف قدرتنا على تخزين المعلومات واسترجاعها في الذاكرة البشرية. كما يضعف مهارات البحث والتحليل والتقييم الذاتي للمعلومات.
د-الكسل الذهني والخمول العقلي: سهولة الاستخدام وسرعة الإنجاز التي يوفرها الذكاء الاصطناعي قد تجعل الأفراد يقعون في فخ الكسل الذهني، ويفقدون الدافع لبذل جهد عقلي والوصول إلى أحكام مستقلة (نزع شجاعة التفكير الذاتي).
2. ضعف القدرات الإبداعية والابتكارية
الذكاء الاصطناعي يعمل وفقًا للبيانات والخوارزميات التي تم تزويده بها؛ أي أنه يفتقر إلى التفكير خارج الصندوق أو تقديم حلول جديدة كليًا:
أ- تضييق الأفق الإبداعي: قد يشعر البشر بالإحباط أو يثنيهم عن الإبداع بأنفسهم عندما يرون أن ما ينتجه الذكاء الاصطناعي قد يفوق قدراتهم، مما يحد من محاولاتهم للابتكار.
ب- المقالات والحلول المتجانسة: في المجالات الأكاديمية أو الإبداعية، يميل إنتاج الذكاء الاصطناعي إلى أن يكون “متجانسًا إحصائيًا”، مما يقلل من التنوع والتفرد في الأفكار مقارنة بالعمل البشري المستقل.
ثانيا…التأثير حسب الفئة العمرية.
يختلف تأثير الذكاء الاصطناعي السلبي على العقول باختلاف المرحلة العمرية، وتركّز كل فئة على مجموعة مختلفة من المخاطر:
أولا…التأثيرات السلبية. الذكاء الصناعي علي الأطفال والشباب صغار السن (مرحلة التكوين والتعلم)
تعتبر هذه المرحلة الأكثر حساسية لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على التطور المعرفي والاجتماعي:
1- تأخر التطور المعرفي:
أ- تقليل الحاجة إلى بذل الجهد العقلي في حل المسائل وإنجاز الواجبات.
ب- إعاقة بناء المهارات التحليلية والمنطقية نتيجة الاعتماد على الإجابات الجاهزة.
2- ضمور مهارات التفكير النقدي والإبداع:
أ- فقدان الدافع للتفكير خارج الصندوق أو إنتاج أفكار فريدة (تجانس المخرجات).
ب- عدم تطوير مهارات تقييم المعلومة والتشكيك فيها.
3- العزلة وضعف التفاعل الاجتماعي:
أ- تقليص وقت التفاعل البشري الحاسم مع الأقران والأسرة.
ب- تأثر القدرات على فهم العواطف والمشاعر الإنسانية (الذكاء العاطفي).
4- مخاطر المحتوى غير اللائق والتحيز:
أ- التعرض لـمحتوى ضار أو رسائل تشجع على السلوكيات السلبية (كراهية، تحيز، إيذاء النفس).
ب- مخاطر انتهاك الخصوصية وجمع البيانات من خلال الأجهزة والألعاب التفاعلية.
ثانيا… التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على عقول الشباب الناضج :
التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي على عقول الشباب
تتجسد مساوئ الذكاء الاصطناعي على الشباب في إحداث كسل ذهني أكاديمي وتقليل الدافع نحو الإبداع، مما يعوق نموهم المعرفي والشخصي:
1. إضعاف مهارات التفكير النقدي والتحليل
الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي (مثل نماذج اللغة الكبيرة) للتحليل وكتابة الملخصات والمقالات يؤدي إلى:
أ- تدهور التفكير النقدي: عندما تقدم الأداة الإجابة أو التحليل جاهزًا، يفقد الشاب فرصة لتحليل المعلومات، وتقييم مصداقيتها، وتكوين رأيه المستقل.
ب- السطحية في التعلم: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لاستخراج المعلومات الأساسية بسرعة يلغي الحاجة إلى التعمق في المصادر أو فهم سياق المعلومة.
ج- الكسل الذهني في حل المشكلات: التخلي عن استخدام العقل للبحث عن حلول معقدة يجعل الشاب أقل قدرة على مواجهة التحديات المعرفية التي لا يغطيها الذكاء الاصطناعي.
2. تآكل الذاكرة ومهارات التعلم الذاتي
استخدام الذكاء الاصطناعي كـ”ذاكرة خارجية” يضعف القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها:
أ- ضعف الذاكرة العاملة: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتذكر المعلومات أو استرجاعها فوريًا يقلل من تمرين الدماغ على تخزين واسترجاع البيانات، مما يضعف قدرة الذاكرة.
ب-إضعاف مهارات البحث: الاستغناء عن البحث التقليدي والتحقق من المصادر يجعل الشاب يفتقر إلى مهارة فلترة المعلومات وتمييز المصادر الموثوقة من غيرها.
ج-عزل الدماغ عن الإبداع: يميل الشباب إلى الاكتفاء بما ينتجه الذكاء الاصطناعي من نصوص أو صور، مما يقلل من محاولاتهم لـالابتكار الذاتي والتفكير خارج النمط المعتاد (التجانس في الأفكار).
3. المخاطر الاجتماعية والنفسية
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أداة معرفية، إلا أن استخدامه المفرط له تبعات نفسية واجتماعية على الشباب:
أ- العزلة الاجتماعية: تفضيل التفاعل مع المساعدين الرقميين أو رفقاء المحادثة القائمة على الذكاء الاصطناعي على التفاعلات البشرية يقلل من المهارات الاجتماعية الأساسية، ويزيد من مخاطر العزلة والوحدة.
ب- التأثير على الهوية والقيم: تطبيقات الذكاء الاصطناعي المرافقة (مثل روبوتات الدردشة) قد تعرض الشباب لـمحتوى ضار أو رسائل غير مناسبة تشجع على سلوكيات غير سوية أو تؤثر على تكوين القيم الأخلاقية.
ج- التعود على الحلول السريعة: زرع فكرة أن جميع المشكلات يمكن حلها بسرعة فائقة ودون جهد، مما يقلل من قدرتهم على التحمل العقلي عند مواجهة تحديات حقيقية تتطلب وقتًا وجهدًا.
باختصار: الخطر الأكبر على الشباب هو أن يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى بديل عن التفكير، مما يعوق النضج العقلي والاستقلالية الفكرية الضرورية لمرحلتهم.
ثالثا…. التأثيرات السلبية للذكاء الصناعي علي كبار السن:-
تتركز المخاطر على كبار السن في جانبين رئيسيين: الحفاظ على القدرات الإدراكية وجودة الرعاية:
1-تسريع التدهور المعرفي:
أ- زيادة الاعتماد الكلي على الآلات في المهام اليومية والروتينية.
ب- تقليل التحفيز العقلي والنشاط الذهني اللازم للحفاظ على القدرات الإدراكية.
2- التحيز في الرعاية الصحية:
أ- احتمالية وجود تحيز سلبي ضد كبار السن في خوارزميات الذكاء الاصطناعي الصحية (بناءً على بيانات غير شاملة).
ب- تأثير ذلك على دقة التشخيص وجودة خطط العلاج المقدمة.
3- زيادة العزلة الاجتماعية:
أ- تعميق الشعور بالوحدة نتيجة تراجع التواصل البشري لصالح التفاعل مع الأنظمة الآلية والمساعدات الرقمية.
هذه العناصر توضح بشكل دقيق ومفصل كيف يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى “فساد العقول وتقليل التفكير” عبر إضعاف المهارات المعرفية الأساسية (مثل التفكير النقدي والذاكرة) وإعاقة التطور الاجتماعي والإبداعي في مختلف المراحل العمرية.
