مازن السيد
في زمنٍ لم تعُد فيه الكلمة وحدها قادرة على التعبير، ظهرت “الميمز” كفنٍّ جديد يمزج الصورة بالنصّ بالسخرية، ليخلق رسالةً أسرع وأذكى من أي مقالٍ أو منشورٍ طويل.
تلك الصور البسيطة التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي لم تعُد مجرّد “نكاتٍ إلكترونية”، بل تحوّلت إلى لغةٍ كاملة تعبّر عن الجيل، وتؤثّر في اتجاهات الرأي العام، وتكشف كثيرًا عن طبيعة العصر الرقمي الذي نحيا فيه.
ولدت الميمز من رحم الإنترنت.
بدأت في المنتديات الأجنبية، ثم تسلّلت إلى “فيسبوك” و“تويتر” و“إنستغرام”، حتى غزت “تيك توك” و“ريلز” وأصبحت جزءًا من يومنا العادي.
في الحقيقة، لا يمكن وجود الميمز دون التكنولوجيا؛ فهي تعتمد على أدوات التحرير الرقمي، وعلى خوارزميات النشر التي تحدّد أيّ الصور ستنتشر وأيّها سيختفي في الظلّ.
إنّها فنّ الإنترنت الخالص… سريعة، حادّة، ومليئة بالحياة.
من المدهش أنّ الميمز، رغم طابعها المضحك، أصبحت أداةً سياسية واجتماعية حقيقية.
يمكن لصورةٍ ساخرة أن تُسقِط هيبة مسؤول، أو تُعيد النقاش حول قضيةٍ منسيّة، أو تزرع فكرةً في عقول ملايين الناس من دون كلمةٍ واحدة.
السخرية التي كانت تُقال في المقاهي أصبحت الآن تُشارك بضغطة “إرسال”،
وتصل إلى العالم كلّه في لحظة.
لم تَعُد الميمز تُصنع يدويًّا كما في السابق، فاليوم دخل الذكاء الاصطناعي على الخطّ.
برامج مثل “ChatGPT” و“DALL·E” و“Midjourney” يمكنها توليد ميمز كاملة خلال ثوانٍ، تجمع بين الطرافة والعمق والدقّة في التوقيت.
بهذا الشكل، لم تعُد الميمز مجرّد فنّ شعبيّ، بل أصبحت نتاجًا للتفاعل بين الإنسان والآلة في أوضح صوره.
لم يعُد الحديث عن “ثقافة الإنترنت” حديثًا تافهًا، فالميمز اليوم تضع قاموسًا جديدًا للمعاني، وتخلق رموزًا مشتركة بين الملايين.
صورةٌ واحدة قد تُصبح شعارًا لاحتجاج، أو ذكرى لحدثٍ عالمي، أو حتى وسيلةً للتعليم ونشر الوعي.
بهذا المعنى، الميمز هي صحافة العصر الرقمي غير الرسمية،
تعكس نبض الناس، وتقول ما يخاف كثيرون من قوله علنًا.
قد يظنّ البعض أنّ الميمز مجرّد لهوٍ وضحك، لكنّها في الحقيقة لغة هذا الزمن.
لغة تجمع بين التقنية والخيال، بين الإنسان والشاشة، بين الجديّ والهزل.
وفي عالمٍ أصبحت فيه الصورة أقوى من الكلمة،
تبدو الميمز وكأنّها المرآة التي يرى بها الجيل الجديد نفسه…
ويعبّر بها عن كلّ ما لا يستطيع قوله بصوتٍ مرتفع.
