شهدت حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 العديد من الأسرار والعوامل الحاسمة التي مهدت الطريق للانتصار وأسقطت مقولة “الجيش الذي لا يُقهر”. لا يقتصر الأمر على الخطط العسكرية فحسب، بل يمتد ليشمل الإرادة الوطنية والعبقرية في التخطيط والخداع.

دارين محمود

أبرز أسرار وعوامل الانتصار في حرب أكتوبر

1. الخداع الاستراتيجي والتوقيت المفاجئ

كان عنصر المفاجأة الاستراتيجية هو حجر الزاوية في الخطة المصرية-السورية، وقد تحقق ذلك عبر عدة محاور:

* توقيت الهجوم: اختيار يوم عيد الغفران (يوم كيبور)، وهو يوم مقدس لدى الإسرائيليين يتوقف فيه النشاط، بالإضافة إلى التخطيط للهجوم في شهر رمضان، جعل القيادة الإسرائيلية تستبعد تماماً احتمالية شن حرب في هذا التوقيت، مما ساهم في شل وإرباك قيادتهم.

* ساعة الصفر: اختيار الساعة الثانية ظهراً للهجوم خالف القواعد العسكرية التقليدية التي تنص على الهجوم في أول ضوء أو آخر ضوء من النهار، وهو ما ضاعف من عنصر المباغتة.

2. العبقرية العسكرية في تدمير خط بارليف

كان تدمير خط بارليف، الذي اعتبره الإسرائيليون مستحيلاً اختراقه، من أهم الأسرار التكتيكية:

* خراطيم المياه عالية الضغط: تم التوصل إلى فكرة بسيطة وعبقرية لتفجير الساتر الترابي الضخم للخط باستخدام خراطيم مياه شديدة الضغط، وهو الحل الذي لم يكن متوقعاً على الإطلاق، مما مكن القوات المصرية من العبور بسهولة نسبية.

3. شفرة الاتصالات السرية

لضمان عدم فك شفرات الاتصال وتحديد خطط القوات، استخدم الجيش المصري سلاحاً سرياً فريداً:

* اللغة النوبية: تم الاعتماد على جنود من أبناء النوبة لاستخدام اللغة النوبية في الاتصالات اللاسلكية بين الوحدات. هذه اللغة المحلية، التي لا يعرفها إلا أهلها، شكلت لغزاً مستعصياً على أجهزة المخابرات الإسرائيلية، مما حفظ سرية العمليات.

4. التنسيق على الجبهتين

كان التنسيق العسكري الكامل بين الجيشين المصري والسوري عاملاً حاسماً في تشتيت القوات الإسرائيلية:

* الجبهة الموحدة: بدأ الهجوم بهجوم متزامن ومُنسق من الجيشين على الجبهتين المصرية (قناة السويس) والسورية (مرتفعات الجولان)، مما أجبر القوات الإسرائيلية على القتال في جبهتين مختلفتين وتحويل جهودها، وبالتالي تخفيف الضغط عن القوات المهاجمة.

5. الإرادة الوطنية وعقيدة القتال

خلف التخطيط العسكري، كان الدعم المعنوي والوطني هو الدافع الأكبر:

* الإيمان وعقيدة النصر: سادت بين الجنود عقيدة النصر أو الشهادة، وكان الإيمان بالله والتوكل عليه عاملاً معنوياً قوياً.

* وحدة الشعب والجيش: كان التضامن الكامل بين الشعب والقوات المسلحة، بالإضافة إلى دور الأطباء والتمريض في دعم الجبهة، عماداً أساسياً في تحقيق النصر، مما أثبت أن الإرادة الجماعية تستطيع تحقيق المستحيل.

هذه الأسرار، من الخداع والتخطيط المبتكر إلى الإرادة الصلبة، هي ما حول هزيمة 1967 إلى نصر أكتوبر المجيد عام 1973.