بقلم/ سالي جابر
استيقظ على سريرٍ لا يعرفه، في غرفةٍ بلا ملامح.
العالم من حوله يتحرك ببطءٍ كأن الزمن نفسه يخاف أن يقترب.
مدّ يده إلى رأسه، فوجد الصمت أثقل من الألم.
كان يشعر أن شيئًا ما انتُزع من داخله، شيء لا يُرى… كجذرٍ قُطع من الذاكرة.
لا اسم له، ولا ماضي، ولا خيط يربطه بما كان.
لكن القلب — ذلك الغريب الصامت — لا يزال ينبض بشيء يشبه الخوف،
خوفٍ من الفراغ، من أن يكون “لا أحد”.
في علم النفس، يقولون إن الذاكرة ليست مجرد خزان للماضي،
بل هي العمود الفقري للهوية.
حين تضيع، لا يضيع الماضي فقط، بل يضيع “الإحساس بالذات”.
كأنك تُلقى في محيطٍ بلا شواطئ،
فتبدأ تسأل نفسك:
هل كنت طيبًا أم قاسيًا؟
هل كنت أُحب أحدًا؟ أم كنت وحدي؟
هل لي وجه مألوف في عيون الناس؟
كان ينظر إلى يديه بدهشة،
يتفحصهما كمن يكتشف جسده لأول مرة.
يحاول أن يخلق من حركاته دليلًا على من يكون،
لكن كل إشارة تصطدم بجدارٍ من البياض.
تُهاجمه صور متقطعة — ظلّ امرأة، ضحكة طفل، بابٌ يُغلق —
ثم تتلاشى سريعًا كفقاعاتٍ منسية.
في التحليل النفسي، يُقال إن اللاوعي يحتفظ بكل شيء،
لكنه لا يمنحك الأسرار إلا حين تتألم بما يكفي.
ربما كان هذا الألم هو المفتاح الوحيد ليعود إلى نفسه.
بدأ يسمع صوتًا داخليًا همس له:
“لا تبحث عن من كنت،
ابحث عن من تكون الآن.”
تأمل حوله، رأى الضوء يدخل من النافذة،
وشعر للمرة الأولى أن البياض ليس فراغًا،
بل بداية صفحة يمكن أن تُكتب من جديد.
ربما لم يفقد هويته تمامًا…
ربما هو فقط وُلد من جديد دون أن يدرك.
ولكن كما حدث في ميلاده الأول … تألم من حوله.
في ميلاده الثاني يتألم هو ولا يشعر من حوله.
الذكريات هي القوى التي تجعلنا نحيا حتى وإن كانت مريرة.
