بقلم السيد عيد
يُقال إن وراء كل رجلٍ عظيمٍ امرأة،
وأنا أقول: وأمام كل امرأةٍ حكيمة، رجلٌ يحاول أن يفهم… ولم يفهم بعد.
المرأة ليست لغزًا كما يُقال، بل هي نصٌّ مكتوبٌ بلغةٍ لا تُدرَّس،
تُقرأ بالقلب لا بالعين، ويُفسَّر بالشعور لا بالعقل.
هي الكائن الذي يستطيع أن يصمت حتى يتكلم العالم من حوله،
وأن يتكلم بنبرةٍ واحدةٍ تحمل في داخلها ألف معنى.
حين يجادلها الرجل بمنطق الفلاسفة، تتركه يتحدث كأنها تُنصت لوحيٍ سماوي،
ثم تبتسم تلك الابتسامة التي تُربك التاريخ وتُسقط حججه جميعًا في لحظةٍ واحدة.
ابتسامة تقول بلا صوت: “كمل يا حبيبي… التجربة خير برهان!”
المرأة لا تحتاج إلى الفلسفة كي تكون حكيمة،
فهي تعيشها بالفعل دون أن تعرف أسماءها.
تعرف أن الصبر ليس خضوعًا، بل قوةً ناعمة،
وأن الحنان ليس ضعفًا، بل ذكاءٌ عاطفيّ يعرف متى يُربّي ومتى يُسامح.
وحين تكون زوجةً، تتحول الحكمة إلى فنٍّ من فنون البقاء الجميل.
تستيقظ قبل الشمس لتعدّ القهوة، وتُوقظ زوجها بكلمةٍ فيها حنوّ الأم وصرامة الحياة.
تُدير بيتها كما تُدير الكون: توازن بين الفوضى والنظام، بين الصبر والرغبة، بين الحب واللامبالاة.
تسمعه يتحدث عن همومه، فتضع يدها على كتفه فيسكت — لا لأن المشكلة حُلّت، بل لأن طمأنينتها جعلته ينسى أنه كان مهمومًا.
هي لا تُلقي المحاضرات، بل تُقدّم الدروس بالفعل.
حين يغضب، تتركه يعصف كما تشاء الريح،
ثم تمرّ بكلمةٍ واحدةٍ تطفئ العاصفة:
“كل ده عشان نسيت المفاتيح؟ طب معلش، خُد المفتاح وخُدني معاك.”
تلك هي فلسفة الزوجة؛
التي تُدير بيتًا بالعاطفة، وزوجًا بالعقل، وأطفالًا بالحب، وعالَمًا بالصبر.
هي التي تُعيد التوازن حين يختلّ كل شيء،
وتصنع من التفاصيل الصغيرة معنى للحياة.
المرأة — والزوجة بخاصة — لا تُناقش الوجود، بل تُعيد ترتيبه كل صباح.
بينما يجلس الرجل في مقهى يحلل العالم،
تكون هي في المطبخ تعيد بناءه على مهلٍ وبقليلٍ من الملح.
وإذا سألها عن سرّ حكمتها،
قالت بابتسامةٍ خفيفةٍ تُخفي خلفها دهورًا من التجربة:
“الحياة يا حبيبي مش عايزة عقل كبير… عايزة قلب يفهم.”
وحين يتذكّر أن أول من أقنع آدم بأكل التفاحة لم يكن فيلسوفًا،
بل امرأةٌ عرفت أن المعرفة لا تُؤخذ من الكتب بل من التجرِبة،
يبتسم في داخله ويقول:
“لقد كانت حواء أول من علَّمنا أن الخطأ أحيانًا طريقٌ إلى النور.”
هكذا هي حكمة المرأة والزوجة تحديدًا
تعيش الحياة ببصيرةٍ فطرية،
تغفر قبل أن يُطلَب منها الغفران،
وتفهم قبل أن يُقال،
وتحب دون أن تضع للحب تعريفًا،
ثم تمضي في هدوءٍ جميلٍ يجعل الوجود يبدو أقلَّ قسوة… وأكثر دفئًا.
