كتب… أحمد رشدي
اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتخاطب أو التعبير بل هي هوية أمة ورسالة حضارة ولغة القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل بلسان عربي مبين لتبقى خالدة ما دامت السماوات والأرض وهي لغة الشعر والخطابة والفلسفة والعلوم التي حملت شعلة الحضارة الإسلامية في عصور مجدها ومع ذلك يبقى السؤال حاضرًا بإلحاح هل اللغة العربية في خطر أم أنها قادرة على النهوض من جديد
يؤكد خبراء اللغة أن الخطر الحقيقي لا يكمن في العربية ذاتها فهي غنية قادرة على التجدد وإنما في تعامل أهلها معها ففي مؤسسات التعليم العالي تراجعت مكانة الفصحى أمام هيمنة اللغات الأجنبية في تدريس العلوم والبحوث مما قلل من حضورها في ميدان المعرفة كما أن هيمنة اللهجات العامية على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أضعفت من مستوى إتقان الأجيال الجديدة للفصحى وأفقدت اللغة كثيرًا من بريقها ويشير الدكتور تمام حسان إلى أن قوة اللغة مستمدة من قوة أهلها فإن عزوها صمدت وإن أهملوها ضعفت
لكن الصورة ليست قاتمة بالكامل فهناك جهود كبيرة تبذل للحفاظ على العربية وتعزيز حضورها فقد خصصت منظمة اليونسكو يوم الثامن عشر من ديسمبر يومًا عالميًا للغة العربية احتفاءً بمكانتها التاريخية والثقافية وهو اليوم الذي اعتمدت فيه العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة كما تعمل مجامع اللغة العربية في القاهرة ودمشق والرباط وعمان وغيرها على صياغة مصطلحات علمية جديدة وتطوير معاجم حديثة لمواكبة تطورات العلوم والتقنية إضافة إلى مبادرات رقمية تهدف إلى زيادة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت وتشجيع النشر العلمي بالعربية
ويؤكد الدكتور محمود فهمي حجازي أن اللغة العربية تملك قدرة هائلة على استيعاب المصطلحات الحديثة إذا وُجدت الإرادة والجهود الكافية لتطوير مناهج تعليمها وتوسيع استخدامها في الإعلام والتعليم العالي ولعل التحدي الأكبر هو غرس الاعتزاز بالفصحى في نفوس الجيل الجديد بحيث يرونها ليست مجرد لغة للامتحانات أو المناسبات الرسمية بل أداة يومية للتعلم والإبداع والانتماء
ومن المهم التنويه إلى أن الاعتزاز بالعربية لا يعني الانغلاق على الذات أو رفض تعلم اللغات الأجنبية بل على العكس تعلم لغات العالم ضرورة للتواصل مع الآخر ومواكبة التطور العلمي لكن هذا لا يجب أن يكون على حساب لغة الضاد التي تمثل أساس الهوية فالانفتاح الحقيقي يبدأ من الجذور الراسخة
إن الحفاظ على العربية مسؤولية مشتركة تبدأ من البيت والمدرسة وتمتد إلى الإعلام والجامعات وحين نغرس في أبنائنا أن لغتهم هي لغة القرآن الكريم وأنها وعاء حضارتهم فإننا نؤكد أن العربية ليست في خطر ما دام أبناؤها أوفياء لها يعملون على حمايتها وتجديدها بين خطر الاندثار وفرص البقاء
المصادر ـ الدكتور تمام حسان اللغة العربية معناها ومبناها ـ الدكتور محمود فهمي حجازي مستقبل اللغة العربية ـ مجمع اللغة العربية بالقاهرة تقارير ومؤتمرات ـ منظمة اليونسكو اليوم العالمي للغة العربية
