مقالات

سي السيد في زمن الغسالة الأوتوماتيك

بقلم  /السيد عيد

كان سي السيد متكئًا كعادته بعد الفطار على أريكته العريقة، ممسكًا بالجريدة التي لا يقرأ منها سوى العناوين، بينما ينساب صوت مسلسل المداح من التلفاز، حيث يعاني البطل حرب مع الجن . أما أمينة، فكانت كالملبوسة – أو بالأحرى، كالنحلة المسكينة في خلية لا ملكة فيها – تجري بين الغرف، تكنس هنا، تمسح هناك، وتلقي نظرات قلقة نحو المواعين، وتفكير وسرحان في الغسيل .كل شيء كان يسير كما ينبغي، إلى أن دخلت الغسالة الأوتوماتيك حياتهم، مثل ضيف ثقيل لكنه يرفض المغادرة!في البداية، نظر إليها سي السيد كما ينظر إلى أي شيء يهدد نظامه العالمي. كيف لآلة أن تستولي على عمل مقدس مثل غسل الملابس؟! وأين المعاناة التي تُكسب المرأة صبرًا وحكمة؟! وكيف سيعيش دون رؤية أمينة تنحني فوق الطشت، تفرك القمصان وكأنها في معركة مصيرية؟!حاول تجاهل الكارثة، لكن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة… فجأة، أمينة لم تعد تستيقظ مع الديك لتغسل الملابس! بل باتت تجلس تشرب الشاي بينما الغسالة تعمل وحدها! والأدهى من ذلك… أصبحت تضع رجلًا فوق رجل!شعر سي السيد بأن العالم ينهار من حوله. إذا كانت أمينة قد تحررت من الغسيل، فماذا بعد؟ هل ستطالب بيوم إجازة؟ هل ستبدأ في مناقشته في السياسة؟ هل… ستطلب مصروفًا إضافيًا؟!استدعى آخر ما تبقى من سلطته، واعتلى منصة الخطابة في صالة المنزل، محاضرًا عن “النساء زمان” و”الراحة التي تُفسد المرأة”، وكيف أن أمه – رحمها الله – كانت تغسل على ضفاف النيل وهي تغني، ولم تشتكِ يومًا!لكن أمينة، لأول مرة، لم تهز رأسها بالموافقة، بل نظرت إليه بهدوء وقالت:“حلو أوي يا سي السيد… طب يلا وريني شطارتك واغسل القميص اللي بتحبه، بدل ما تحكي لي عن أيام زمان!”حينها، أدرك سي السيد الحقيقة المرعبة… الغسالة الأوتوماتيك لم تكن مجرد جهاز منزلي… بل كانت مؤامرة كونية ضد نفوذه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى