بقلم السيد عيد
في قهوة بلدي، عند الركن اليمين من الترابيزة الخشب القديمة، جلس “عم سيد” يحرّك الشاي ببطء ويقول لصاحبه بثقة المنتصر في معركة وهمية:
“بص يا عم… لما تلاقي الناس بتهاجمك من كل ناحية، اعرف إنك بقيت أسطورة!”
ضحك صاحبه وقال له: “أسطورة إيه يا عم سيد؟ دي الناس بتهاجمك عشان صوتك عالي وأنت بتتكلم!”
لكن عم سيد، مثل نصف البشر على السوشيال ميديا، مقتنع تمامًا إن أي اعتراض عليه سببه الحقد، لا الصوت العالي، ولا قلة الذوق، ولا حتى الكلمة اللي خرجت غلط في وقت غلط.
يُقال والعهدة على مواقع التحفيز والتنمية البشرية التي تبيعك الوهم بالتقسيط إنك إذا كثر حولك الحاقدون، فاعلم أنك أسطورة!
جميل… لكن هل فكرت لحظة من أين جاء كل هذا الحقد؟
هل هو فعلاً حقد، أم مجرد نتيجة طبيعية لأنك لا تكفّ عن الظهور في كل مناسبة لتقول:
“أنا جامد… محدش زَيّي!”؟
هذه الجملة صارت شعار الجيل الجديد:
كلما زاد عدد المختلفين معي، زاد عدد “الحاقدين”.
كلما انتقدني أحد، قلت في نفسي: “أكيد غيران”.
أما النقد البنّاء؟ فده اختراع من اختراعات “الضعفاء”!
النتيجة؟
جيل كامل يوزّع تهم الحقد كما يوزع اللايكات…
وصار عندنا في كل شارع “أسطورة” صغيرة، لا تتحمل رأيًا مخالفًا، لكنها تكتب بثقة:
“كلما زاد الحاقدون… زاد تألقي.”
تفتح الفيسبوك فتجد الصورة المعتادة:
نظارة شمس في عز الليل، وابتسامة نصف متعالية، وتحتها تعليق من نوع:
“سيبهم يولعوا يا نجم، الناجح دايمًا محسود!”
بينما الحقيقة أن “الناجح” ده لا يزال يبحث عن وظيفة، لكن الحسد أسهل من المحاسبة الذاتية.
يا صديقي،
بعض من تسميهم حاقدين لم يفعلوا أكثر من قول الحقيقة…
وبعضهم لا يحقد عليك أصلًا، بل على الضوضاء التي تصدرها كلما ظننت نفسك مركز الكون.
أما أنت، فبدل أن تراجع نفسك، ترفع شعار “كلهم ضدي”، وتعيش في مسلسل بطولة ذاتية لا يشاركك أحد في مشاهدها.
الأسطورة الحقيقية لا تُعلن عن نفسها في منشور، ولا تنتظر التصفيق في كل زاوية،
بل تعمل في صمت… فيُحَدّث الناس عنها دون أن تعرف.
أما أنت يا من تؤمن أن “الناس بتحقد عليّ”، فراجع نفسك قليلًا، ربما الحقد الذي تراه حولك ما هو إلا انعكاس غرورك عليك.
وفي النهاية، إن كنتَ تؤمن فعلًا بأن الحاقدين يزدادون كلما زاد نجاحك، فاسمح لي أن أقول لك: مبروك… لقد وصلت إلى مرحلة “العبقرية المتوهمة”!
مرحلة يعيش فيها الإنسان داخل فقاعة من الإعجاب الذاتي، يوزّع فيها صكوك الحقد على كل من قال له: “خف شوية”.
تذكّر أن الأسطورة الحقيقية لا تحتاج أن تُخبر الناس أنها أسطورة، تمامًا كما لا يصرّح العطر بأنه جميل… يكفي أن يُشمّ.
أما من يصرخ ليل نهار قائلاً: “الكل بيغير مني!”، فغالبًا لا أحد لاحظه أصلًا ليحسده.
فلا تُغرق نفسك في محيط الأوهام، ولا تضع تاج الأسطورة على رأسك لمجرد أن الناس توقفت عن مجاملتك.
الأسطورة الحقيقية لا تصنعها كثرة الحاقدين… بل ندرة المتصنعين.
وإن كثر حولك الحاقدون فعلًا؟
فربما فقط ربما أنت من
زرعتهم بيدك… وسقيتهم بجرعات متكررة من الغرور!
