بقلم السيد عيد
ما زلتُ أؤمن أن بعض القلوب خُلقت لتسكن قلبًا واحدًا، وأن بعض الوجوه تُضيء العمر كلَّه بطلّةٍ واحدة، وأن بعض الحكايات لا تُكتب بالحبر، بل تُنقش على جدار الروح إلى الأبد.
حين أغمض عيني، أراكِ كما لو كنتِ البارحة… بنفس البسمة التي تُشبه شروق الشمس بعد ليلٍ طويل، وبنفس النظرة التي كانت تكفي لتُسكت ضجيج العالم كلّه.
كنتِ لستِ مجرّد حبٍّ مرَّ في العمر، بل كنتِ العمرَ كلَّه.
أحببتُكِ منذ كنّا طفلين في مدرسة واحدة ،
كنتِ بضفيرتكِ الملقاه علي ضهرك تشعلين الدنيا من حولي ببراءةٍ لا تُشبه أحدًا.
كبرنا، وكبرتِ في قلبي أكثر.
رافقتِني في أحلامي، في وحدتي، وحتى في أيّام التجنيد حين كان البرد يلسعني والليل يطول… كنتِ الدفء الذي ألوذ به من صقيع الغربة.
ولم أنسَ ذلك اليوم ما حييت…
كانت أول إجازة لي في التجنيد،
وصادف أن كانت يوم عيد ميلادك.
عدتُ إليكي بخطواتٍ يملؤها الشوق،
وقلبي يخفق كطفلٍ يعود إلى حضن أمّه بعد طول غياب.
حين رأيتكِ، شعرتُ أن كل التعب تلاشى، وأن الأرض أزهرت لمجرّد أنني رأيتكِ تبتسمين.
كان ذلك اليوم، في نظري، عيدين: عيد ميلادك، وعيد قلبي الذي عاد إليك.
كم من ليلةٍ رفعتُ فيها يدي إلى السماء، وفي ليلة القدر دعوتُ الله أن تكوني لي،
أن يجمعني بكِ على حبٍّ لا يُفارق،
فاستجاب الله، وأكرمني بكِ كما يُكرم المؤمن بدعوةٍ خالصة من القلب.
أحببتُكِ لا لأنكِ الأجمل، بل لأنكِ الأصدق،
لأنكِ كنتِ تشبهين وعدًا قديمًا خبّأه القدر لي.
كنتِ تأتين بلا موعد، وتغادرين كلّ أحزاني قبل أن أطلب منكِ ذلك.
كنتِ المعنى الذي أعاد للعمر طعمه، وللأيام لونها، وللنبض سببه.
كنتِ البداية التي لا نهاية لها،
والنهاية التي لا فراق فيها،
كنتِ حبّ العمر كما يُقال في القصص، لكنكِ كنتِ قصّتي أنا بحروفها ونبضها وخيالاتها التي لا تموت.
أتدرين؟
لم أعد أفتّش عن الكلمات حين أذكركِ،
فكلّ ما حولي يتكلّم عنكِ النسيم في الصباح، وضوء الغروب، وهدوء الليل حين أضع رأسي على وسادتي وأسمع صدى صوتكِ في داخلي.
كأنكِ وعدٌ لا يشيخ، أو نجمٌ ظلّ يرافقني في سماءٍ لا تغيب.
ليس فيكِ شيءٌ يُنسى،
ولا في غيابكِ شيءٌ يُحتمل.
لكنني أبتسم رغم كل شيء،
لأن قلبي منذ أحبّكِ لم يعد يعرف الفقد، بل يعرف فقط الامتنان والصبر والحب .
أنّ القدر منحني يومًا فرصة أن ألتقي بكِ،
أن أعيشكِ،
أن أقول بكل ما فيّ من صدق:
أنتِ حبّ العمر، ولن تتكرّري.
