د.نادي شلقامي
لقد شكّل حمض الأوليك (Oleic Acid)، الحمض الدهني الأحادي غير المشبع الرئيسي في زيت الزيتون وغيره من الأطعمة الصحية، محور اهتمام كبير في الأوساط العلمية، خاصة فيما يتعلق بفوائده المحتملة على الصحة العامة. وفي سياق هذا الاهتمام المتزايد، جاءت دراسة علمية حديثة ورائدة لتكشف عن دور حيوي ومزدوج تلعبه الأحماض الدهنية في تعديل الاستجابة المناعية للجسم ضد الأورام السرطانية. هذا الاكتشاف المثير يفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية تأثير النظام الغذائي، وبشكل خاص طبيعة الدهون المستهلكة، على قدرة الجهاز المناعي على مقاومة الأمراض الخبيثة والسيطرة على نموها.
أظهرت الأبحاث التي أجراها فريق من جامعة هونغ كونغ أن حمض الأوليك، الذي يمكن اعتباره “الوقود الجيد” للجهاز المناعي، يعمل كداعم قوي لخلايا دلتا غاما التائية (\gamma\delta-T cells). هذه الخلايا المناعية المتخصصة هي بمثابة “جنود الاستجابة السريعة” في الخطوط الأمامية للدفاع المناعي، حيث تبرع في اكتشاف ومهاجمة الخلايا المصابة بالعدوى والخلايا السرطانية في مراحلها المبكرة. ووفقاً للنتائج التي نُشرت في دورية Signal Transduction and Targeted Therapy ونقلها موقع New Atlas العلمي، فإن حمض الأوليك لا يكتفي بمجرد التواجد، بل يعزز من نشاط هذه الخلايا التائية، ويزيد من كفاءتها القتالية ضد السرطان، مما يشير إلى أن استهلاك هذا الحمض الدهني الصحي يمكن أن يكون عاملًا مُعززًا لقدرة الجسم الطبيعية على قمع الأورام.
وعلى النقيض تماماً، كشفت الدراسة عن الوجه الآخر لهذه المعادلة الغذائية المناعية، حيث أشارت إلى أن أنواعاً أخرى من الأحماض الدهنية الشائعة، والتي غالباً ما تكون مرتبطة بالدهون غير الصحية أو الأنظمة الغذائية التي تفتقر إلى التوازن، قد تحمل تأثيراً سلبياً ومعيقاً. حيث بيّن الباحثون أن هذه الأحماض الدهنية السلبية قد تضعف أو تثبط من قدرة الجهاز المناعي على أداء وظيفته، بل وتعمل كعامل مسرّع لنمو وتطور الأورام السرطانية. هذا التباين الحاد في التأثير يؤكد على الأهمية البالغة لاختيار مصادر الدهون في النظام الغذائي، ويسلط الضوء على أن التكوين الدهني (Fatty Acid Profile) لما نأكله ليس مجرد مصدر للطاقة، بل هو مُنظِّم أساسي وحاسم للوظيفة المناعية. لذلك، يُعد هذا الاكتشاف خطوة هامة في مجال علم المناعة الغذائية (Nutritional Immunology)، وقد يمهد الطريق لاستراتيجيات علاجية ووقائية جديدة تستند إلى تعديل النظام الغذائي لتعزيز قدرة الجسم على محاربة السرطان.
وخلال الدراسة، عرّض الباحثون هذه الخلايا البشرية -بعد عزلها وزراعتها معمليا- لحمض الأوليك، وأخرى لحمض البالمتيك (PA) الموجود في زيت النخيل واللحوم ومنتجات الألبان.
فيما أظهرت الخلايا المعالجة بحمض الأوليك استقرارًا في وحدات الميتوكوندريا (التي توصف عادة بأنها مصنع إنتاج الطاقة في الخلية)، ونشاطًا أيضيًا عاليًا، وقدرة متزايدة على قتل الخلايا السرطانية.
بينما أظهرت الخلايا التي تعرّضت لحمض البالمتيك فشلًا أيضيًا وتدميرًا ذاتيًا التهابيًا.
وخلال الدراسة، عرّض الباحثون هذه الخلايا البشرية -بعد عزلها وزراعتها معمليا- لحمض الأوليك، وأخرى لحمض البالمتيك (PA) الموجود في زيت النخيل واللحوم ومنتجات الألبان.
فيما أظهرت الخلايا المعالجة بحمض الأوليك استقرارًا في وحدات الميتوكوندريا (التي توصف عادة بأنها مصنع إنتاج الطاقة في الخلية)، ونشاطًا أيضيًا عاليًا، وقدرة متزايدة على قتل الخلايا السرطانية.
بينما أظهرت الخلايا التي تعرّضت لحمض البالمتيك فشلًا أيضيًا وتدميرًا ذاتيًا التهابيًا.
فقد تعطلت آلية الطاقة داخلها وماتت بطريقة جعلت البيئة المناعية المحيطة أكثر عدوانية، وهو ما يعني أن هذا الحمض قد يُضعف قدرة الجسم على مواجهة الأورام.
حين يتحول الغذاء إلى دواء
وقال الباحث الرئيسي تو وينوي، أستاذ طب الأطفال والمراهقين بـ”جامعة هونغ كونغ”: “تشير نتائجنا إلى أن تناول الأطعمة الغنية بحمض الأوليك، مثل زيت الزيتون والأفوكادو، يمكن أن يعزز قدرة جهاز المناعة على مراقبة الأورام ومكافحتها، ما يفتح آفاقًا لعلاجات أكثر فعالية للسرطان”.
إلى ذلك، أوضح الباحثون أن النتائج تحمل دلالات عملية، إذ يمكن لمرضى السرطان تحسين فعالية العلاجات عبر زيادة استهلاك الأطعمة الغنية بحمض الأوليك، مثل الزيتون والأفوكادو والمكسرات، مع تقليل الأطعمة الغنية بحمض البالمتيك كاللحوم الدهنية وزيت النخيل والأطعمة المصنعة.
كما تفتح النتائج الباب أمام استراتيجيات علاجية تجمع بين التغذية الموجهة والأدوية المناعية لتحسين استجابة الجسم.
تحذير علمي
مع ذلك، أكد الباحثون أن النتائج لا تعني الإفراط في استهلاك زيت الزيتون أو المكملات الغذائية، إذ لم تُختبر بعد على البشر، لكنّها تضيف دليلًا جديدًا على الدور الحاسم للتغذية في دعم جهاز المناعة، وتمهّد لتطوير أدوية تستهدف الأحماض الدهنية لتنشيط خلايا γδ-T في مكافحة السرطان.
