بقلم ا.د روحيه الشريف
لغز “الجيش” الذي ضل الطريق
تخيلي أن بداخلك جيشاً قوياً هدفه الوحيد هو حمايتك من الأعداء، لكن فجأة، وبسبب سوء فهم داخلي، يقرر هذا الجيش توجيه أسلحته نحو جدران منزلك! هذا بالضبط ما يحدث في مرض الروماتويد؛ حيث يخطئ الجهاز المناعي ويبدأ بمهاجمة مفاصلك. لكن المثير في الأمر أننا اليوم نملك “شفرات السر” لتهدئة هذا الجيش وإعادة السلام لجسدك.
ما هو الروماتويد المفصلي؟
الروماتويد هو مرض مناعي ذاتي مزمن، لا يكتفي بإحداث وجع عابر، بل يسبب التهاباً في الغشاء الزلالي الذي يحيط بالمفاصل. هذا الالتهاب إذا ترك دون سيطرة قد يؤدي مع الوقت إلى تآكل العظام وتغير شكل المفصل، لكن الخبر الجميل أن الطب الحديث أصبح قادراً على منع حدوث ذلك تماماً.
أعراض الروماتويد: كيف تسمعين صوت مفاصلك؟
يتميز الروماتويد بعلامات خاصة جداً تميزه عن تعب المفاصل العادي:
التيبس الصباحي الشهير: تشعرين أن مفاصلك “متصلبة” مثل الحديد عند الاستيقاظ، ويحتاج الأمر لأكثر من نصف ساعة لتبدأ في الليونة.
التناظر المدهش: المرض غالباً ما يهاجم المفصل ونظيره (اليدين معاً، الركبتين معاً، القدمين معاً).
حرارة وتورم: المفاصل المصابة تبدو محمرة، منتفخة، ودافئة عند لمسها.
الإرهاق العام: شعور مستمر بالتعب وكأنكِ بذلتِ مجهوداً شاقاً دون سبب واضح.
أهم الأسئلة الشائعة حول الروماتويد
هناك تساؤلات تدور في ذهن كل من يسمع بهذا المرض، وإليكِ إجاباتها الواضحة:
هل الروماتويد وراثي؟ الجينات تلعب دوراً في زيادة احتمالية الإصابة، لكنها ليست السبب الوحيد؛ فالعوامل البيئية مثل التوتر والتدخين تلعب دور المحفز.
هل يمكن أن يصيب الأطفال؟ نعم، هناك نوع يسمى “روماتويد الأطفال”، لكنه يختلف قليلاً في طبيعته عن روماتويد البالغين.
هل يؤثر على القلب والعين؟ في حالات قليلة وغير معالجة، قد يمتد الالتهاب لأعضاء أخرى، ولهذا السبب التشخيص المبكر هو “البطل” في هذه القصة.
هل يزداد الألم في الشتاء؟ نعم، البرودة تزيد من الشعور بالتيبس، لذا التدفئة هي صديقة مريض الروماتويد.
رحلة العلاج والوقاية: أسلحة العصر الذهبي
نحن نعيش الآن في أفضل وقت تاريخي لعلاج الروماتويد بفضل:
الأدوية البيولوجية الذكية: وهي أدوية متطورة جداً تعمل مثل “الموجه” الذي يوقف الالتهاب من جذوره دون المساس ببقية خلايا الجسم.
الأدوية المعدلة للمرض (DMARDs): وهي الأدوية التقليدية القوية التي تحمي المفاصل من التآكل.
الوقاية ونمط الحياة:
الإقلاع عن التدخين: هو أهم خطوة وقائية لأن التدخين يقلل من مفعول الأدوية.
الغذاء السليم: التركيز على “أوميجا 3” الموجود في الأسماك وزيت الزيتون الذي يعمل كمضاد طبيعي للالتهاب.
الحركة اللطيفة: السباحة والمشي الخفيف يحافظان على مرونة المفاصل ويمنعان تيبسها.
نهاية مفرحة: أنتِ أقوى من الروماتويد
الرسالة التي نريدها أن تصل لقلبكِ: الروماتويد اليوم لم يعد ذلك الوحش المخيف الذي يسبب العجز. بفضل العلم، أصبح “مرضاً صديقاً” يمكن ترويضه والسيطرة عليه تماماً. الكثير من أبطال الرياضة والمبدعين مصابون بالروماتويد ويعيشون حياة مليئة بالإنجاز والحيوية. تذكري دائماً: العلاج المبكر يعني حياة طبيعية تماماً، ومفاصلكِ قادرة على العطاء لسنوات طويلة قادمة بإذن الله.
ا.د روحيه الشريف
بروفيسور الروماتيزم والمناعه بكليه الطب جامعة المنيا واستشاريه الأمراض الروماتيزميه والمناعيه بمستشفي سلامات بالمملكه العربية السعودية
