نجده محمد رضا
في إنجاز أثري جديد يعيد كتابة صفحات من التاريخ المصري القديم، أعلنت وزارة السياحة والآثار عن اكتشاف حصن مصري قديم يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وذلك في منطقة تلّ الخروبة الواقعة في شمال سيناء، بالقرب من الحدود الشرقية لمصر.
يُعَدّ هذا الكشف من أهم الاكتشافات الأثرية التي شهدتها سيناء في السنوات الأخيرة، لما يحمله من دلالات عسكرية وحضارية عميقة.
تفاصيل الاكتشاف
كشف فريق البعثة الأثرية المصرية العاملة في شمال سيناء عن بقايا حصن دفاعي ضخم شُيِّد في عهد الدولة الحديثة من التاريخ الفرعوني (حوالي 1550 إلى 1070 قبل الميلاد)
وقد عُثر داخل الموقع على أبراج دفاعية ذات تصميم هندسي فريد، وجدران سميكة بُنيت من الطوب اللبن، مما يدل على أن الحصن كان يُستخدَم لأغراض الحماية والمراقبة العسكرية على الحدود الشرقية لمصر.
كما تم العثور على أوانٍ فخارية متنوعة كانت تُستخدم لتخزين الطعام والماء، بالإضافة إلى نقوش ملكية تحمل اسم الملك تحتمس الأول، أحد أبرز ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
ومن المثير للدهشة أن علماء الآثار اكتشفوا بقايا خبز متحجّر وأدوات طهي داخل أفران الحصن، ما يعكس الحياة اليومية للجنود الذين كانوا يتمركزون في هذا الموقع قبل آلاف السنين.
أهمية الموقع الأثري
أكد الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذا الاكتشاف يبرز الدور الاستراتيجي لشبه جزيرة سيناء، التي كانت بمثابة بوابة مصر الشرقية، وحصنها الحامي ضد أي غزوات محتملة.
وأوضح أن الحصن المكتشف كان جزءًا من سلسلة دفاعية متكاملة أُقيمت على طول طريق العريش رفح في تلك الحقبة، لحماية حدود الدولة المصرية من التهديدات القادمة من الشرق.
وأشار الخبراء إلى أن هذا الموقع يعكس مدى تقدّم العمارة العسكرية المصرية القديمة إذ تم تصميم الأبراج الدفاعية بزوايا منحنية تسمح برؤية أوسع للجنود وتمنح الحصن قدرة أكبر على صدّ الهجمات.
دلالات حضارية وتاريخية
يرى علماء الآثار أن هذا الحصن يقدّم صورة حيّة عن القدرة التنظيمية والوعي الأمني لدى المصريين القدماء.
كما يُثبت أن سيناء لم تكن مجرد ممر عسكري، بل كانت أيضًا نقطة تواصل حضاري وتجاري بين مصر وبلاد الشام القديمة، ما يضيف بعدًا ثقافيًا واقتصاديًا إلى قيمتها التاريخية.
وأوضح الباحث الأثري الدكتور محمد عبد المقصود أن العثور على أواني فخارية وخبز متحجّر يدل على أن الجنود كانوا يعيشون حياة منظمة داخل الحصن، مزوّدين بكل ما يلزمهم من مؤن، مما يعكس نظامًا لوجستيًا متطورًا في تلك الفترة المبكرة من التاريخ.
آفاق سياحية وتنموية
من جانبها، أعلنت وزارة السياحة والآثار أن الموقع سيخضع لعمليات ترميم وصيانة متخصصة، تمهيدًا لتحويله إلى منطقة جذب سياحي جديدة ضمن مشروع تطوير المواقع الأثرية في سيناء.
وسيتم وضع خطة لتأمين المنطقة وإقامة مركز للزوار يتيح للسائحين مشاهدة الاكتشافات الأصلية وبعض النماذج المقلدة، مع لوحات توضيحية تشرح أهمية الحصن ودوره في تاريخ مصر العسكري.
كما أكد المسؤولون أن هذا الاكتشاف سيُدرج ضمن برنامج الترويج السياحي الدولي لمصر، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بالآثار المصرية القديمة.
إن اكتشاف حصن تلّ الخروبة لا يمثل مجرد كشف أثري عابر، بل هو رسالة من الماضي تذكّر العالم بعظمة الحضارة المصرية وقدرتها على البناء والدفاع والتخطيط.
ومن خلال هذا الحصن، يُعاد اليوم إحياء صفحة من تاريخ المجد العسكري لمصر القديمة، تلك الدولة التي لم تعرف الانكسار، وظلّت دائمًا شامخة بحضارتها عبر العصور.
