د. إيمان بشير ابوكبدة
حقق باحثون أميركيون تقدماً لافتاً في فهم الطريقة التي تؤثر بها الجينات المرتبطة بمرض ألزهايمر على الدماغ، بعدما استخدموا ذبابة الفاكهة كنموذج حيوي لدراسة أكثر من 100 جين يُعتقد أنها تزيد خطر الإصابة بالمرض.
ووفقاً لدراسة نشرتها دورية American Journal of Human Genetics، فقد تمكن الفريق البحثي من كلية بايلور للطب ومعهد دان ودانكن للأبحاث العصبية بمستشفى تكساس للأطفال، من تحديد نحو 50 جيناً مرشحاً يبدو أن لها دوراً مباشراً في تشكيل بنية الدماغ ووظائفه العصبية.
وأوضح العلماء أن هذه الجينات لا تعمل جميعها بالطريقة نفسها، بل تؤثر على الدماغ من خلال مسارات بيولوجية متعددة، ما يفسر تنوع أعراض ألزهايمر واختلاف استجابة المرضى للعلاجات الحالية.
واعتمد الفريق على ذباب الفاكهة في التجارب، لما يتمتع به من تشابه وراثي كبير مع الإنسان وسرعة دورة حياته التي لا تتجاوز عشرة أسابيع، وهو ما يسمح بدراسة آثار الشيخوخة والأمراض العصبية خلال فترة زمنية قصيرة.
وخلال الدراسة، قام الباحثون بتعطيل كل جين على حدة داخل الذباب المعدل وراثياً، ثم لاحظوا التغيرات التي طرأت على أنسجة الدماغ وسلوك الخلايا العصبية وقدرتها على التكيف مع الضغوط الحرارية والميكانيكية.
وقالت جينيفر ديجر، الباحثة الرئيسية في الدراسة، إن الفريق استطاع تحديد الجينات التي تتحكم في استقرار الخلايا العصبية وحمايتها من التلف، مضيفةً أن تعطيل بعضها أدى إلى علامات واضحة من التنكس العصبي، شبيهة بما يحدث في أدمغة مرضى ألزهايمر.
ومن بين الاكتشافات اللافتة، أشار الباحثون إلى الجين Snx6، النظير لجين بشري يُعرف باسم SNX32، حيث تسبب تعطيله في ظهور فجوات تشبه الثقوب في دماغ الذباب، وهي سمة مميزة للتنكس العصبي.
كما بيّنت الدراسة أن نحو 35 جيناً كانت ضرورية للحفاظ على النشاط الكهربائي السليم في الخلايا العصبية، في حين ارتبطت 8 جينات أخرى بقدرة الدماغ على مقاومة الضغوط البيئية.
ولاحظ الباحثون أن تعطيل بعض هذه الجينات غيّر طريقة تفاعل الدماغ مع بروتيني أميلويد-بيتا وتاو اللذين يُعدّ تراكمهما من أبرز سمات ألزهايمر، إذ زاد بعضها من حدة الأضرار بينما وفر بعضها الآخر حماية ضدها.
ويرى جوشوا شولمان، أحد المشاركين في الدراسة، أن النتائج تؤكد أن ألزهايمر ليس مرضاً واحداً بل مجموعة اضطرابات متقاربة تنشأ من أسباب جينية متعددة، وهو ما يفسر تباين الأعراض بين المرضى.
ولتعزيز التعاون العلمي، أطلق الفريق منصة بيانات مفتوحة المصدر باسم ALICE تتيح للباحثين حول العالم الوصول إلى النتائج والخرائط الجينية التي توصلوا إليها، بهدف تسريع تطوير العلاجات المستقبلية.
وأكد الباحثون أن هذا النهج الجديد لا يقتصر على تحديد الجينات المرتبطة بالمرض، بل يسعى إلى رسم خريطة متكاملة للعلاقات الوظيفية بينها، تمهيداً لتطوير أدوية موجهة للجينات أو المسارات البيولوجية المسببة للمرض، بدلاً من التركيز فقط على إزالة البروتينات المتراكمة كما تفعل العلاجات الحالية.
واختتم هوجو بيلن، أستاذ علم الوراثة العصبية في كلية بايلور، بالقول إن هذه الدراسة تفتح آفاقاً جديدة لفهم الأمراض العصبية، موضحاً أن “ذبابة الفاكهة رغم بساطتها تحمل مفاتيح مهمة لفهم أكثر أمراض الدماغ تعقيداً مثل ألزهايمر”.
