ثمن الاحتراف

نور محمد
ذات يوم، بينما كان بيكاسو جالسًا في أحد المقاهي في باريس، اقتربت منه سيدة أنيقة، تعرّفت عليه بحماس، وطلبت منه أن يرسم لها شيئًا على منديل ورقي. لم يكن بيكاسو من النوع الذي يرفض مثل هذه الطلبات، فالتقط قلمًا سريعًا، ورسم لها رسمًا بسيطًا في غضون 30 ثانية.
عندما اعطى لها الرسم، همّت السيدة بأخذه، لكنه أمسكه مجددًا وقال لها بابتسامة هادئة:
“هذا سيكلفك مليون فرنك.”
تفاجأت السيدة وقالت بدهشة:
“ماذا؟ لكنك أنجزته في أقل من دقيقة!”
رد بيكاسو بهدوء شديد:
“لا يا سيدتي، لقد استغرق مني عمرًا كاملاً.”
هذه القصة موثقة في كتاب “Life with Picasso” (الحياة مع بيكاسو) للكاتبة فرانسواز جيلو، التي كانت شريكة حياته لمدة عشر سنوات. القصة تعكس فلسفة بيكاسو.
حيث تلخص جوهر الإبداع والاحتراف، فلا تُقاس القيمة بمدة التنفيذ، بل بالتجربة المتراكمة والمعرفة العميقة. بيكاسو لم يرَ في رسمه مجرد خطوط على منديل، بل خلاصة سنوات من الدراسة والتجريب والتطوير.
يمكن إسقاط هذه الفكرة على مجالات عدة، فالمحترفون في أي حقل يصلون إلى سرعة وكفاءة في الإنجاز لا تعكس الوقت الفعلي المستغرق فقط، بل تجسد عقودًا من العمل والتعلم.
إنها رسالة قوية لمن يستخفّ بأتعاب المبدعين، ولمن يظن أن المهارة يمكن أن تُختزل في لحظات دون تقدير للرحلة الطويلة التي قادت إليها.