بقلم السيد عيد
لم يكن في نيّتي يومًا أن أشتري بطّة، لكن الحياة أحيانًا تُلقي في طريقك أشياء صغيرة تغيّر مزاجك دون أن تخطّط لها. كنت أمشي في السوق بلا هدف واضح، أتفرّج على الضوضاء، وأتسلّى بالوجوه، إلى أن لفتت نظري بطّة صغيرة تقف في ركن هادئ
بطّتي التي أُقسِم أنها ليست بطّة عادية تعيش معي كأنها بطلة مسلسل كوميدي، وبيتي بالنسبة لها مجرد استوديو تصوير تدور فيه الحلقات بلا توقف.
هي بطّة تعرف كيف تهزّ اليوم بشقلطتها اللطيفة، وتعرف كيف تصنع ضحكة من أبسط حاجة… حتى من طبق رز بلبن
او ذرة .
وفي أحد الأيام، قررت بطّتي أن تدخل عالم المنافسة. لا أعرف من الذي أوحى لها بالفكرة، لكني استيقظت لأجدها واقفة قدام التلفزيون، مندمجة مع حلقة من توم وجيري.
كانت بترفع رقبتها بدهشة، وتتبع جيري وهو يجري، ثم تميل بيمين مع توم وهو يتزحلق، كأنها تعيش جوا الشاشة.
وفجأة…
قررت بطّتي أنها أجدر بالدور من جيري.
جريت في البيت تعمل نفس حركاته:
تتزحلق على السجادة، تتخبّى ورا الكنبة، وتطلع تجري من غير سبب واضح.
وأنا؟
كنت أشاهد العرض المباشر وأكتم ضحكتي بصعوبة.
لو شفتوا توم الحقيقي قطّي المسكين يومها!
كان واقف متجمّد، يبص لها النظرة اللي بيبصّها توم في الكرتون لما جيري يضحك عليه وفجأة اخذ منها الرز بلبن
بطّتي تهبد الأرض بجناحها كأنها بتقول له:بحبه “تعالى لو راجل!”
وهو يتراجع خطوة… ثم خطوتين… ثم يهرب بكرامته.
من يومها، أصبح عندي نسخة منزلية من توم وجيري وبطّة:
جيري = بطّتي، توم = قطّي التعيس، أنا = المُخرج اللي ما حدّش بيسمع كلامه
ومع كل الحركات المجنونة دي، تفضل بطّتي تحفظ الأماكن زي أمّ خرائط ماشية. أضيع مفاتيحي؟ ألقاها واقفة عند الدولاب. أنسى الموبايل؟ ألاقيها تنقّ وتناديني لغاية ما تهديني إليه. ولما أكون تائه… لا تسأل كيف… لكنها تحفظ الأماكن أحسن من GPS الحارة. أمشي وراها كأني ماشي ورا حكمة كونية، ألاقيها واقفة قدّام المكان اللي كنت ناسيه، تبص لي نظرة “مش قولتلك؟”، وتمشي بكرامة.
ومع كل ده، تفضل عندها لحظات الدلال الرقيق اللي تقف فيها عند طبق الرز بلبن وتقول بعينيها:“بحبّه… وانت عارف.”
وإذا زعلت…
تتحول القصة إلى حلقة درامية داخل مسلسل الكرتون.
تشدّ جناحاتها وتبص لي بحدة كأنها توم بعد ما اتضرب على دماغه.
تتجاهلني، وتمشي بخطوات متعالية، كأنّها بتعلن انسحابها من الموسم.
لكن ما تلبث إلا دقائق وترجع…
لأنها في النهاية بطّة دلوعة، تحب الضحك، وتشقلط توم بجناحها .
وهكذا…
أعيش كل يوم في حلقة جديدة،
أكون فيها المتفرّج والراوي والمطارد والمطارد…
بين بطّة تعتبر نفسها نجمة جيري،
وقطّ فاكر نفسه توم وبيت بسيط صار مسرحًا يليق بكل هذه الفوضى الجميلة.
