نجده محمد رضا
في عمق القارة السمراء، حيث تتراقص السهول الإفريقية تحت شمس كينيا وتنزانيا، يعيش شعب الماساي، أحد أكثر الشعوب تمسكًا بعاداتها الموروثة رغم تسارع الزمن وتقدّم الطب الحديث. غير أن أكثر ما يثير الدهشة في هذا الشعب هو طريقة علاجهم الفريدة للجروح، والتي تكشف عن عبقرية بدائية مذهلة: خياطة الجروح بالنمل!
يستخدم الماساي نوعًا من النمل يُعرف علميًا باسم Dorylus Fabricius، وهو نمل معروف بقوة عضته الفولاذية. وعندما يُصاب أحدهم بجرح، لا يُسرع إلى الطبيب، بل إلى الأرض الأم، حيث يبدأ العلاج بطريقة قد تبدو غريبة، لكنها شديدة الدقة.
يقوم المعالج بإمساك النمل ووضعه على أطراف الجرح، فيقوم النمل بعضّ الجلد بإحكام، لتتداخل أطراف الجرح تمامًا كما تُغلق بخيط جراحي. وبمجرد أن يغرس النمل فكيه في الجلد، يُقطع جسمه ويُترك الرأس مثبتًا مكان الجرح، ليصبح فك النملة بمثابة “دبوس حيّ” يحافظ على تماسك الأنسجة حتى تلتئم.
تُكرر هذه العملية على طول الجرح، ويُترك في حاله لعدة أيام، حتى تلتئم البشرة تدريجيًا. وبعد أن يكتمل الشفاء، يسقط فك النمل تلقائيًا، وكأن الطبيعة نفسها أنهت مهمتها العلاجية.
ويرى بعض الباحثين أن في فكي النمل مواد طبيعية مضادة للبكتيريا، مما يقلل خطر العدوى ويساعد في سرعة الالتئام، وهو ما يجعل هذه الطريقة — رغم بدائيتها — وسيلة فعالة وآمنة أثبتتها التجربة عبر أجيال من أبناء الماساي.
ما يفعله هذا الشعب لا يُعد مجرد طقس قبلي، بل هو رسالة للعالم الحديث: أن الطب لا يُقاس فقط بالأجهزة والمشارط، بل أيضًا بالحكمة الفطرية التي أودعتها الطبيعة في الإنسان. ففي زمن تتعقد فيه الوسائل، ما زال الماساي يذكّروننا أن البساطة قد تكون أحيانًا أعظم معجزة شفاء.
إن تجربة الماساي مع النمل ليست مجرد عادة إفريقية غريبة، بل هي رمز للعلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة، ودليل على أن أسرار الشفاء ليست كلها في المعامل… فبعضها ما زال يهمس لنا من قلب الأرض، بلغةٍ لا يفهمها إلا من عاش قريبًا منها.
