نهاد عادل
منذ القدم لعبت الأمثال الشعبية دورًا محوريًا في نقل الحكمة والتجارب بين الأجيال فهي ليست مجرد كلمات تتردد على الألسن بل خلاصة مواقف إنسانية وقصص قصيرة تحمل بين طياتها خبرات الشعوب وطرائق تفكيرها. وعلى الرغم من تنوع اللهجات يبقى المثل الشعبي مفهومًا ومعبّرًا ومؤثرًا في كل زمان ومكان لما يتضمنه من بلاغة وإيجاز وصور لغوية تجعل معناه راسخًا في الذاكرة.
ويُعرف المجتمع المصري شأنه شأن المجتمعات العربية الأخرى بثروة كبيرة من الأمثال الشعبية التي قد يستغربها المرء للوهلة الأولى لكن بمجرد التعمق فيها تظهر دلالاتها العميقة ومعانيها البليغة. ومن بين أشهر تلك الأمثال المثل المتداول: «حاميها حراميها» وهو مثل لا يقتصر استخدامه على مصر فحسب بل يشيع في مختلف الدول العربية بل وتوجد له نظائر في ثقافات عالمية أخرى.
وعلى الرغم من أن الأمثال الشعبية غالبًا ما تُصاغ باللهجة العامية فإن هذا المثل تحديدًا يأتي منسجمًا تمامًا مع قواعد العربية الفصحى ما يسهم في انتشاره وثباته في الذاكرة اللغوية.
و تعود جذور هذا المثل إلى فترة الحكم العثماني وتروي القصة أن ثلاثة من طلاب العلم قرروا السفر إلى بغداد لزيارة ضريح أحد الأولياء حاملين معهم مالًا وفيرًا يكفي رحلتهم. وبينما كانوا في طريقهم ضلّوا المسار فصادفوا رجلًا تظهر عليه الطيبة وتزين وجهه ابتسامة ثابتة وحديث لطيف ما جعلهم يظنون أن القدر أرسله ليعينهم.
اطمأن الثلاثة للرجل وساروا معه ساعات طويلة إلى أن اختفى فجأة بعد أن سرق كل ما كان معهم من مال. وبعد بحث طويل تمكنوا من العثور عليه بينما كانت فرقة من الجنود تمر بالمكان فألقت القبض عليه واقتادته إلى الحاكم.
استقبلهم الحاكم ببشاشة واستمع إليهم ثم أمر بخروج الجميع ليحقق مع السارق على انفراد. وبعد ساعة خرج الحاكم ليخبرهم أنه لم يجد بحوزة الرجل أي مسروقات وأن الأمر مجرد التباس ثم غادر المجلس.
و كان بين الحضور رجل بغدادي طيب القلب طلب التحدث مع السارق وحده. جلس معه ووعده بقطعة ذهبية إن أعاد المال إلى أصحابه. حينها كشف السارق أن الجنود أرغموه على الإنكار وأن الحاكم هدده بالموت إن اعترف.
فخرج السارق بعدها ليعيد المال إلى أصحابه.
ومن حينها واشتهر المثل القائل “حاميها حراميها ” وأصبحت تداوله الأجيال في كل عصر و زمان حتى وقتنا هذا.
وانتشر المثل منذ ذلك الحين بين الناس يتناقلونه جيلاً بعد جيل .
وهكذا تثبت الأمثال الشعبية أنها ذاكرة الشعوب ولسان حكمتها المتجددة.
«حاميها حراميها».. حكاية مثل شعبي ما زال حيًّا في الذاكرة العربية
1.1K
