بقلم د.نادي شلقامي
” رائدان جمعتهما صدفة التاريخ ومصير النهضة”
يُسجل الخامس والعشرون من نوفمبر ذكرى ميلاد شخصيتين مصريتين محفور اسميهما في الذاكرة الوطنية، هما: طلعت حرب باشا (مواليد 1867) رائد الاستقلال المالي، وعماد حمدي (مواليد 1909) فنان الدراما والوجدان. رغم اختلاف الميادين، كان كلاهما قائدًا في بناء الهوية المصرية الحديثة: الأول بالسلاح الاقتصادي والمنشآت، والآخر بالمرآة الفنية والسينما.
الجزء الأول: طلعت حرب..باشا
( القائد الذي حارب بالجنيه المصري)
لم يكن طلعت حرب مجرد اقتصادي، بل كان مهندسًا لمشروع قومي هائل يهدف إلى تحقيق السيادة الوطنية عبر المالية، متحديًا قوى الاحتلال والمصالح الأجنبية.
أولا……أسرار النهضة المالية:
1- ثقافة الاكتتاب الوطني:
كان تأسيس بنك مصر (1920) ثورة ثقافية؛ حيث أصر على جمع رأس المال من اكتتابات المصريين البسطاء في كل المحافظات، ليصبح العامل والفلاح شريكًا في المؤسسة الوطنية.
2- الرد على المشككين:
واجه طلعت حرب سخرية واسعة من البنوك الأجنبية التي راهنت على فشل بنك يُدار بالعربية. وقد أثبتت الإمبراطورية الصناعية التي أنشأها كذب ادعاءاتهم، بتأسيس شركات عملاقة مثل “مصر للغزل والنسيج”، و”مصر للطيران”
3- فلسفة متكاملة:
اعتمد على فكرة الدورة الاقتصادية المغلقة: تأسيس شركة لإنتاج القطن، وأخرى لغزله ونسجه محلياً، وثالثة لتمويل السياحة، ورابعة لإنشاء “استوديو مصر” (1935) الذي وفر البنية التحتية لجيل عماد حمدي الفني.
4- نهاية الإرث:
رغم العظمة، انتهت مسيرته بإجباره على الاستقالة عام 1939 تحت ضغط الأزمة العالمية وتآمر بعض القوى، تاركاً إرثاً حياً ولكنه رحل بمرارة.
الجزء الثاني: عماد حمدي..
(مؤرخ الشاشة وعبقرية التحول)
يمثل عماد حمدي الوجه الإنساني الذي عكس التحولات الاجتماعية والفنية للنهضة التي أسسها طلعت حرب.
محطات من حياة فتى الشاشة:
1- من المحاسبة إلى النجومية:
بدأ حياته المهنية كمراقب حسابات في محطة مصر، وهي خلفية منحته الانضباط الذي ظهر في مسيرته. انطلق كنجم في الأربعينات بلقب “فتى الشاشة” لدوره الرومانسي الأنيق.
2- تعدد الزيجات ودوره في الإنتاج:
كانت زيجاته من نجمات (مثل شادية ونادية الجندي) جزءًا من المشهد الفني. في مرحلة، قام بإنتاج أفلام، ما أظهر جانبه التجاري أيضاً.
3- ذكاء التحول الفني:
سر استمراريته هو قدرته النادرة على التكيف. انتقل ببراعة من دور الحبيب في بين الأطلال، إلى أدوار الأب والرجل المضطرب اجتماعياً.
4- أدوار أيقونية:
جسد القلق الوجودي في أدوار مثل “أحمد عاكف” في خان الخليلي، والسياسي المتقاعد في ميرامار، مما جعله مؤرخاً عاطفياً للسينما المصرية.
5- عمق إنساني:
عكس في نهاية مسيرته تحدي الفنان الذي يتقدم في العمر ويفقد مكانته، مقدماً أدواراً ثانوية بعمق، أضافت صدقاً كبيراً لختام مسيرته الفنية الضخمة التي شملت أكثر من 400 عمل.
وختاما….يُذكّرنا يوم 25 نوفمبر بأن النهضة الحقيقية لأي أمة ليست عملاً فردياً. لقد قام طلعت حرب ببناء الهيكل المالي للوطن، بينما تولى عماد حمدي (من خلال منصة أسسها طلعت حرب نفسه، وهي استوديو مصر) تجسيد روح هذا الوطن ونبضه على الشاشة. كلاهما رائد لا يُنسى في التاريخ المصري الحديث.
